للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعرف كون الأخذ لصاحبه فبقى الأخذ سببا في حق وجوب الضمان على الأصل، والوجه الثاني أن الأصل أن عمل كل إنسان له لا لغيره بقوله سبحانه وتعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} (١) وقوله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} (٢) فكان أخذه اللقطة في الأصل لنفسه لا لصاحبها وأخذ مال الغير بغير إذنه لنفسه سبب لوجوب الضمان لأنه غصب وإنما يعرف الأخذ لصاحبها بالإشهاد فإذا لم يوجد أن الأخذ لنفسه فيجب عليه الضمان. ولو أخذ اللقطة ثم ردها إلى مكانها الذي أخذها منه لا ضمان عليه في ظاهر الرواية وكذا نص عليه محمد في الموطأ وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى قالوا، هذا الجواب فيما إذا رفعها ولم يبرح عن ذلك المكان حتى وضعها في موضعها فأما إذا ذهب بها عن ذلك المكان ثم ردها إلى مكانها يضمن وجواب ظاهر الرواية مطلق عن هذا التفضيل مستغن عن هذا التأويل وقال الشافعي رحمه الله تعالى يضمن سواء ذهب عن ذلك المكان أو لم يذهب ووجه قوله أنه لما أخذها من مكانها فقد التزم حفظها بمنزلة قبول الوديعة فإذا ردها إلى مكانها فقد ضيعها بترك الحفظ الملتزم فأشبه الوديعة إذا لقاها المودع على قارعة الطريق حتى ضاعت ودليلنا أنه أخذها محتسبا متبرعا ليحفظها على صاحبها فإذا ردها إلى مكانها فقد فسخ التبرع من الأصل فصار كأنه لم يأخذها أصلا وبه تبين أنه لم يلزم الحفظ وإنما تبرع به وقد رده بالرد إلى مكانها فارتد وجعل كأن لم يكن. هذا إذا كان أخذها لصاحبها ثم ردها إلى مكانها فضاعت وصدقه صاحبها فيه أو كذبه لكن الملتقط قد كان أشهد على ذلك فإن كان لم يشهد يجب عليه الضمان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما لا يجب عليه الضمان سواء أشهد أو لم يشهد ويكون القول قوله مع يمينه أنه أخذها لصاحبها على ما ذكرنا ثم تفسير الإشهاد على اللقطة أن يقول الملتقط بمسمع من الناس: إنى التقطت لقطة أو عندى لقطة فأى الناس أنشدها فدلوه عليّ أو يقول: عندى شئ فمن رأيتموه يسأل شيئا فدلوه عليّ، فإذا قال ذلك ثم جاء صاحبها فقال الملتقط: قد هلكت كان القول قوله ولا ضمان عليه بالإجماع وإن كان عنده عشر لقطات لأن اسم الشئ واللقطة منكرا إن كان يقع على شئ واحد ولقطة واحدة لغة لكن في مثل هذا الموضع يراد بها كل الجنس في العرف والعادة لا فرد من الجنس إذ المقصود من التعريف إيصال الحق إلى المستحق ومطلق الكلام ينصرف إلى المتعارف والمعتاد فكان هذا إشهادا على الكل بدلالة العرف والعادة ولو أقر أنه كان أخذها لنفسه لا يبرأ عن الضمان إلا بالرد على المالك لأنه ظهر أنه أخذها غصبا فكان الواجب عليه الرد إلى المالك لقول النبي - صلى الله علية وسلم - على اليد ما أخذت حتى ترده فإذا عجز عن رد العين يجب عليه بدلها كما في الغصب وكذلك إذا أخذ الضالة ثم أرسلها إلى مكانها الذي أخذها منه


(١) الآية ٣٩ من سورة النجم.
(٢) الآية رقم ٢٨٦ من سورة البقرة.