للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجل أباه بلا كراهة إذا كان بإذنه أو فيه مزية يقدم بها عليه كما قدم الصديق على أبيه أبى قحافة وصاحب البيت وإمام المسجد ولو عبدا لأن العبد إذا كان إمام مسجد أو صاحب بيت لا تكره إمامته بالأحرار جزم به غير واحد لأن ابن مسعود وحذيفة وأبا ذر صلوا خلف أبى سعيد مولى أبى أسيد وهو عبد رواه صالح في مسائله إذا كان إمام المسجد أو صاحب البيت ممن تصح إمامته فهو حق بالإمامة وإن كان غيرهما أفضل منهما قال في المبدع بغير خلاف نعلمه لما روى أن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أتى أرضا له عندها مسجد يصلى فيه مولى له فصلى ابن عمر رضى الله تعالى عنه معهم فسألوه أن يؤمهم فأبى وقال صاحب المسجد أحق ولأن في تقديم غيره افتياتا وكسرا لقلبه فيحرم تقديم غيرهما عليهما (أي صاحب البيت وإمام المسجد) بدون إذن لأنه افتيات عليهما ولهما تقديم غيرهما ولا يكره لهما أن يقدما غيرهما لأن الحق لهما بل يستحب تقديمهما لغيرهما إن كان أفضل منهما مراعاة لحق الفضل ويقدم على صاحب البيت وإمام المسجد ذو سلطان وهو الإمام الأعظم ثم نوابه كالقاضى وكل ذى سلطان أولى من جميع نوابه لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر عتبان بن مالك وأنسا في بيوتهما ولأن له ولاية عامة. وقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه" وسيد في بيت عبده أولى الإمامة منه لولايته على صاحب البيت وحر أولى من عبد ومن مبعض لأنه أكمل في أحكامه وأشرف ويصلح إماما في الجمعة والعيد. ومكاتب ومبعض أولى من عبد لحصول بعض الأكملية والأشرفية فيهما وحاضر أي مقيم أولى من مسافر لأنه ربما قصر فيفوت المأمومين بعض الصلاة في جماعة يصير أولى من أعمى لأنه أقدر على اجتناب النجاسات واستقبال القبلة باجتهاده وحضرى (١) أولى من بدوى لأن الغالب على أهل البادية الجفاء وقلة المعرفة بحدود الله وأحكام الصلاة لبعدهم عمن يتعلمون منه قال الله تبارك وتعالى في حق الأعراب: {وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} (٢) ومتوضئ أولى من متيمم لأن الوضوء رافع للحدث بخلاف التيمم فإنه مبيح، ومعير في البيت المعار أولى من مستعير لأنه مالك العين والمنفعة والمستعير إنما يملك الانتفاع ومستأجرا أولى من ضدهم كما تقدم فيكون أولى من المؤجر لأنه مالك المنفعة وقادر على منع المؤجر من دخوله.

[مذهب الظاهرية]

جاء في المحلى (٣): أن الأفضل أن يؤم الجماعة في الصلاة أقرؤهم للقرآن وإن كان أنقص فضلا فإن استووا في القراءة فأفقههم فإن استووا في الفقه والقراءة فأقدمهم صلاحا فإن حضر السلطان الواجبة طاعته أو أميره على الصلاة فهو أحق بالصلاة على كل حال فإن كانوا في منزل إنسان، فصاحب المنزل أحق بالإمامة على كل حال إلا من السلطان وإن استووا في كل


(١) الحضرى هو الناشئ في المدن والقرى.
(٢) الآية رقم ٩٧ من سورة التوبة.
(٣) انظر كتاب المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى جـ ٤ ص ٢٠٧ إلى ٢١١ مسألة رقم ٤٧٨ طبع مطابع مطبعة إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٤٨ هـ الطبعة الأولى.