للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال صاحب فتح القدير: (١) واذا استفتى فقيهين أعنى مجتهدين فاختلفا عليه. الاولى بأن يأخذ بما يميل اليه قلبه منهما، وعندى أنه لو أخذ بقول الذى لا يميل اليه قلبه جاز لان ذلك الميل وعدمه سواء، والواجب عليه تقليد مجتهد وقد فعل.

أصاب ذلك المجتهد أو أخطأ.

وقالوا: المنتقل من مذهب الى مذهب باجتهاد وبرهان آثم يستوجب التعزير فبلا اجتهاد وبرهان أولى.

ولا بد أن يراد بهذا الاجتهاد معنى التحرى وتحكيم القلب لان العامى ليس له اجتهاد.

ثم حقيقة الانتقال انما يتحقق فى حكم مسألة خاصة قلد فيه وعمل به، والا فقوله: قلدت أبا حنيفة فيما أفتى به من المسائل والتزمت العمل به على الاجمال وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد بل هذا حقيقة تعليق التقليد أو وعد به كأنه التزم أن يعمل بقول أبى حنيفة فيما يقع له من المسائل التى تتعين فى الوقائع فان أرادوا هذا الالتزام فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد المعين بالتزام

نفسه ذلك قولا أو نية شرعا بل الدليل اقتضى العمل بقول المجتهد فيما احتاج اليه بقوله تعالى «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»}. (٢)

والسؤال انما يتحقق عند طلب حكم الحادثة المعينة وحينئذ اذا ثبت عنده قول المجتهد وجب عمله به، والغالب أن مثل هذا الزامات منهم لكف الناس عن تتبع الرخص والا أخذ العامى فى كل مسألة بقول مجتهد قوله أخف عليه وأنا لا أدرى ما يمنع هذا من النقل - والعقل، وكون الانسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد سوغ له الاجتهاد وما علمت من الشرع ذمه عليه وكان النبى صلّى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته.

[مذهب المالكية]

جاء فى الحطاب: (٣) المقلد له حالان:

تارة يحيط‍ بقواعد مذهبه فيجوز له تخريج غير المنصوص على المنصوص بشرط‍ تعذر الفرق ومع امكانه يمتنع لان نسبته الى امامه وقواعده كنسبة المجتهد المطلق الى صاحب


(١) فتح القدير على الهداية للامام كمال الدين المعروف بابن الهمام وبهامشه شرح العناية على الهداية ج‍ ٥ ص ٤٥٧ الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة ١٣١٥ هـ‍.
(٢) الآية رقم ٤٣ من سورة النحل.
(٣) الحطاب وبهامشه التاج والاكليل ج‍ ٦ ص ٩٢ وما بعدها.