للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجده: والليالى الثلاث مستأنفة من حين العقد؛ فإن بايع قبل غروب الشمس بقليل أو كثير ولو من حين طلوعها؛ فإنه يستأنف الثلاث مبتدأة. وله الخيار أيضًا في يومه ذلك؛ وإن بايع بعد غروب الشمس فله الخيار من حينئذ إلى قبل ذلك الوقت من الليلة الرابعة؛ لما روى عن نافع عن ابن عمر قال: "إن منقذًا سُفع في رأسه في الجاهلية مأمومة فخبلت لسانه فكان إذا بايع خُدع في البيع؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بايع؛ وقل: لا خلابة ثم أنت بالخيار" (١).

فإن رضى في الثلاث وأسقط خياره لزمه البيع. وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل له الخيار ثلاثًا. فلو كان لا يلزمه الرضا إن رضى في الثلاث لكان إنما جمل له عليه السلام الخيار في الرد فقط لا في الرضاء وهذا باطل؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجمل له الخيار فكان عمومًا لكل ما يختار من رضا أو رد؛ ولو كان الخيار لا ينقطع بإسقاطه إياه وإقراره بالرضا لوجب أيضًا ضرورة أن لا ينقطع خياره؛ وإن رد البيع حتى ينقضى الثلاث؛ وهذا محال. فظاهر اللفظ ومعناه أن له الخيار مدة الثلاث إن شاء رَدَّ فيبطل البيع ولا رضا له بعد الرد؛ وإن شاء رضى فيصح البيع ولا رد له بعد الرضاء ولا يحتمل أمره - صلى الله عليه وسلم - غير هذا أصلًا. فإن لم يلفظ بالرضا ولا بالرد لم يجز أن يجبر على شئ من ذلك وبقى على خياره إلى انقضاء الثلاث إن شاء رد وإن شاء أمسك؛ فإن انقضت الثلاث ولم يرد فقد لزمه البيع؛ لأنه بيع صحيح جعل له الخيار في رده ثلاثًا لا أكثر، فإن لم يبطله فلا إبطال له بعد الثلاث إلا من عيب كسائر الببوع؛ وبقى البيع بصحته لم يبطل (٢).

[مذهب الزيدية]

جاء في (التاج المذهب): إذا استعمل المشترى المبيع في مدة انقطاع العيب بعد علمه بالعيب. وقبل عوده معه لم يكن ذلك رضاء منه بالعيب؛ لأنه لا يمكنه الفسخ حتى يعود العيب عندما (٣).

[مذهب الإمامية]

بيع الخيار عند الإمامية؛ على ثلاثة أضرب، أحدها: خيار المجلس. وهو أن يكون لكل واحد منهما الخيار وفسخ العقد ما لم يتفرقا بالأبدان؛ فإن قال بعد -انعقاد العقد- أحدهما لصاحبه: اختر الإمضاء، فإذا اختار ذلك انقطع الخيار، ولزم العقد. والثانى: أن يشترط حال العقد أن لا يثبت بينهما خيار المجلس. بعد انعقاد البيع؛ فإذا تعاقدا بعد ذلك صحّ البيع؛ ويكون على ما شُرط. والثالث: أن يشترط في حال العقد مدةٌ معلومة؛ يكون لهما فيها الخيار ما شاء من الزمان: ثلاثًا أو شهرًا أو أكثر؛ فإنه ينعقد العقد؛ ويكون لهما الخيار في تلك المدة، إلا أن يوجبان بعد ذلك على أنفسهما كما في البيع المطلق (٤). والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٥) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البيعان بالخيار ما لم يفترقا." (٦). وقوله: "المسلمون عند شروطهم" (٧).


(١) الحديث بنحوه في سنن ابن ماجه؛ كتاب الأحكام، باب الحجر على من يفسد ماله. وأصله في الصحيحين في عدة مواضع منها: صحيح البخارى كتاب البيوع، باب ما يكره من الخداع في البيع. وصحيح مسلم. كتاب البيوع، باب من يخدع في البيع.
(٢) المحلى: ٨/ ٤٠٩، ٤١٠.
(٣) التاج الذهب: ٢/ ٤١٢.
(٤) الخلاف للطوسى:١/ ٥٠٦، ٥٠٧.
(٥) سورة البقرة، الآية ٢٧٥.
(٦) سبق تخريجه:
(٧) صحيح البخارى؛ كتاب الإجارة. باب أجر السمسرة.