للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما سبق ذكره من أحكام الإجماع وشروطه، ونحن نعرض هذه المسائل مع الإيجاز فى أدلة المختلفين اكتفاء بالإشارة إلى ما ترجع إليه هذه الأدلة مما سبق:

إذا اختلفوا على قولين أو أكثر

فهل لمن بعدهم إحداث قول زائد

قد يتكلم المجتهدون جميعهم فى عصر ما فى مسألة ثم ينتهى أمرهم إلى الاختلاف فيها على قولين مثلا فهل لمن يأتى بعدهم من المجتهدين إحداث قول ثالث فى تلك المسألة؟

وقبل أن نذكر الآراء فى الإجابة عن هذا السؤال ننبه إلى أمرين:

أحدهما: أن المسألة مفروضة فيما إذا تكلم جميع المجتهدين فى عصر من العصور، لا فيما إذا تكلم بعضهم دون بعض.

الثانى: أن العلماء يفرضون فى هذه المسألة اختلاف الناظرين إلى قولين وهم لا يريدون خصوص القولين بل لو اختلفوا على ثلاثة أقوال أو أكثر فإن الكلام يأتى فى القول الزائد على ثلاثة كما يأتى فى القول الزائد على قولين سابقين، ولهذا جعلنا عنوان هذه المسألة «إذا اختلفوا على قولين أو أكثر .. إلخ».

بعد هذا نذكر أن العلماء فى الإجابة عن هذا السؤال لهم ثلاثة مذاهب: فمنهم من منعه مطلقا وهم الأكثرون كما قال الإمام الرازى وعليه أكثر الحنفية كما فى المنار وفى التيسير أنه قد نص عليه الإمام محمد والشافعى فى رسالته (١).

وجزم به القفال والقاضى أبو الطيب الطبرى والرويانى والصيرفى وقال به بعض الزيدية منهم أبو طالب والمؤيد بالله فى أحد قوليه (٢).

وممن يقول به الحنابلة (٣)، ودليلهم على ذلك يتلخص فى أن الأمة، أى المجتهدين كلهم فى عصر سابق، إذا اختلفوا على قولين فقد أجمعوا من جهة المعنى على المنع من أحداث قول ثالث، لأن كل طائفة توجب الأخذ بقولها أو بقول مخالفها (٤).

ويحرم الأخذ بغير ذلك على اعتبار أنه يكون خرقا للإجماع، وفى ذلك مناقشة.

ومنهم من جوزه مطلقا وعليه بعض الشيعة وبعض الحنفية وبعض أهل الظاهر وبعض الزيدية وهو الصحيح عند الإباضية ونسبه جماعة منهم القاضى عياض إلى داود وأنكر ابن حزم على من نسبه إلى داود (٥)، وحجتهم فى ذلك أن الذين تكلموا فى المسألة من قبل إنما هم مجتهدون يبحثون بحث المجتهدين ولم يصرحوا بتحريم القول الثالث، فليس أحداثه خرقا لاجماع سابق (٦).


(١) شرح مسلم الثبوت ج‍ ٢ ص ٢٣٥.
(٢) الأحكام للآمدى ج‍ ١ ص ٣٨٤. وحاشية الشيخ بخيت على شرح الإسنوى والشرح المذكور ج‍ ٣ ص ٨٨٣ وإرشاد الفحول ص ٨٢ وهداية العقول للزيدية ج‍ ١ ص ٥٨١. والمنار ج‍ ٢ ص ١١٢.
(٣) روضة الناظر ج‍ ١ ص ٣٧٧.
(٤) الاحكام للآمدى ج‍ ١ الموضع السابق.
(٥) الاحكام للآمدى وهداية العقول وإرشاد الفحول فى المواضع السابقة. وطلعة الشمس ج‍ ٢ ص ٨٩.
(٦) الاحكام للآمدى وغيره فى الموضع نفسه.