للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستئجار منه رضى بترك الاستمتاع. وإذا أرضعت بالأجرة فإن كان الإِرضاع لا يمنع من الاستمتاع ولا ينقصه فلها مع الأجرة النفقة وإلا فلا. فإن طلبت الأم فوق أجرة المثل فلا تلزمه الإجابة لتضرره له وله استرضاع أجنبية، وكذا إن تبرعت أجنبية بإرضاعه أو رضيت بأقل من أجرة المثل ولو بشئ يسير لا يلزمه إجابة الأم إلى أجرة المثل في الأظهر لأن في تكليفه الأجرة مع المتبرعة أو الزيادة على ما رضيت إضرارا، وقد قال الله عز وجل: "وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم" والسؤال الثاني المقابل للأظهر: تجاب الأم لوفور شفقتها. هذا إذا استمرأ الولد لبن الأجنبية إما إذا لم يستمرئ لبنها فإنه يجب عليه إجابة الأم إلى إرضاعه بأجرة المثل قطعا كما قال بعض المتأخرين لما في العدول عنها من الإِضرار بالرضيع (١). ويجوز للسيد إجبار أمته على إرضاع ولدها منه أو من غيره لأن لبنها ومنافعها له بخلاف الزوجة فإن الزوج لا يملك ذلك منها. ولو أراد تسليم ولدها منه إلى غيرها وأرادت إرضاعه لم يجز له منعها لما فيه من التفريق بينهما، لكن له ضمه في وقت الاستمتاع إلى غيرها إلى الفراغ، أما إذا كان الولد حرا من غيره أو مملوكا لغيره فله منعها من إرضاعه ويسترضعها غيره لأن إرضاعه على والده أو مالكه كما نقله ابن الرفعة وغيره عن الماوردى رضى الله تعالى عنهم وأقروه. وكذا غير ولدها يجبرها على إرضاعه أيضا إن فضل لبنها عن رى ولدها إما لاجتزائه بغيره وإما لقلة شربه، وإما لغزارة لبنها، فإن لم يفضل فلا إجبار لقول الله تعالى: "لا تضار والدة بولدها" (٢) ولأن طعامه اللبن فلا يجوز أن ينقص من كفايته كالقوت. ويجبرها أيضا على فطمه قبل مضى حولين إن لم يضر الولد الفطم بأن اكتفى بغير لبنها ولم يضرها أيضا، ويجبرها على إرضاعه بعد الحولين إن لم يضرها ولم يضره أيضا، فليس لها استقلال برضاع ولا فطم لأنه لا حق لها في التربية بخلاف الحرة. وللحرة حق التربية وحينئذ فليس لأحد الأبوين الحرين فطم الولد قبل مضى حولين إلا برضا الآخر لأن مدة الرضاع لم تتم. ولهما فطمه قبل حولين إن لم يضره الفطم لاتفاقهما وعدم الضرر بالطفل، فإن ضره الفطم فلا، ويجوز لأحدهما فطمه إن اجتزأ بالطعام بعد حولين من غير رضا الآخر لأنها مدة الرضاع التام، فإن كان ضعيف الخلقة لا يجتزئ بغير الرضاع لم يجز فطامه، وعلى الأب بذل الأجرة حتى يبلغ حدا يجتزئ فيه بالطعام، وإذا امتنعت الأم من إرضاعه أجبرها الحاكم عليه إن لم يجد غيرها كما قاله المتولى وغيره (٣).

[مذهب الحنابلة]

جاء في المغنى أن رضاع الولد على الأب وحده، وليس له إجبار أمه على رضاعه، دنيئة كانت أو شريفة، سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة، ولا نعلم في عدم إجبارها على ذلك إذا كانت مفارقة خلافا، فأما إن كانت مع الزوج


(١) مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ ٣ ص ٤١٣، ص ٤١٤ في كتاب على هامشه متن المنهاج للإمام أبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
(٢) الآية رقم ٢٣٣ من سورة البقرة.
(٣) مغنى المحتاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب جـ ٣ ص ٤٢٤ الطبعة السابقة.