للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال قوم إن ورد الأمر بعد الحظر بلفظة "افعل" يكون للإباحة لأن العرف يقتضى ذلك وإن ورد بغير هذه الصيغة يكون لما قبل الحظر من وجوب أو إباحة (١).

دليلنا أن عرف الاستعمال في الأمر بعد الحظر الإباحة بدليل أكثر أوامر الشرع بعد الحظر للإباحة كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (٢) ونحوها من الأمثلة.

فإن قيل فقد قال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} (٣) قلنا ما استفيد وجوب القتل بهذه الآية بل بقوله: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} {وَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}.

وأما أدلة الوجوب فإنما تدل على اقتضائه مع عدم القرائن الصادقة له بدليل المندوبات وغيرها وتقدم الحظر قرينة صادقة لما ذكرناه.

وقولهم إن النسخ يكون بالإيجاب قلنا إن النسخ إنما يكون بالإباحة التي تضمنها الإيجاب والإيجاب زائد لا يلزم من النسخ ولا يستدل به عليه (٤).

خامسًا: الظاهرية:

يصوره قول ابن حزم (٥):

إذا نسخ الحظر نظرنا إن جاء نسخه بلفظ الأمر فهو فرض واجب بعد أن كان حرامًا ثم قال:

وقد ادعى بعض من سلف أنه تتبع الأوامر كلها الواردة بعد الحظر فوجدها كلها اختيارًا أو إباحة وذكر من ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (٦) و"نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" "وعن الانتباذ في الظروف فانتبذوا" ثم رد ذلك بما يؤيد مذهبه في إفادة الوجوب.

سادسًا: الشيعة الجعفرية:

إذا وقع الأمر بعد الحظر في مقام ظنة أو تهمة فاختلف القائلون بدلالته على الوجوب في كونه حقيقة في الوجوب أو مجازًا في الندب أو الإباحة أو التوقف أو تابعيتها لما قبل الحظر إذا علق الأمر بزوال علة عروض النهى (٧).

والأقوى كونه للإباحة بمعنى الرخصة في الفعل ويلزمه بينًا رفع المنع السابق للتبادر بمعنى أرجحيته في النظر من الوجوب إذ ما تقدم من تقدم الحقيقة على المجاز اتفاقًا إنما هو إذا دار الأمر المعنى الحقيقى والمجازى إذا خلا المقام عن قرينة مرجحة لأحدهما. وأما مع القرينة الموجبة للجزم بإرادة المجاز فيقدم المجاز اتفاقًا وكذا مع إفادتها الظن به مع كون الأصل الحقيقة في النظر أيضًا فالمقصود أن ملاحظة المقام والالتفات إلى هذه القرينة - أعنى وقوع الصيغة عقيب الحظر - يوجب تقديم إرادة المعنى المجازى وهو الإباحة على الحقيقى فيدور ترجيح المعنى الحقيقى أو المجازى مع القرينة على حصول الترجيح والظهور.


(١) روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المطبعة السلفية بمصر جـ ٢ ص ٥٧.
(٢) آية ٥ سورة المائدة.
(٣) آية ٥ سورة التوبة.
(٤) المصدر السابق
(٥) الإحكام لابن حزم جـ ٢ ص ٧٧.
(٦) آية ٢٢٢ سورة البقرة.
(٧) قوانين الأصول ص ٨٩.