للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الاخبار والانشاء]

يفرق بين الاخبار والانشاء من أربعة وجوه

الأول: أن الانشاء سبب لمدلوله والخبر ليس سببا لمدلوله فان العقود سبب لمدلولاتها ومتعلقاتها بخلاف الاخبار.

الوجه الثانى: أن الانشاءات يتبعها مدلولها والاخبارات تتبع مدلولاتها، أما تبعية مدلول الانشاءات فان الطلاق والملك مثلا يقعان بعد صدور صيغة الطلاق والبيع وأما أن الخبر تابع لمدلوله فنعنى بالتبعية أنه تابع لتقرر مدلوله فى زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا فقولنا: قام فلان تبع لقيامه فى الزمن الماضى، وقولنا: هو قائم تبع لقيامه فى الحال، وقولنا سيقوم الساعة تبع لتقرر قيامه فى الاستقبال وليس المراد بالتبعية التبعية فى الوجود والا لما صدق ذلك الا فى الماضى فقط‍ فهو تابع لتقرره.

الوجه الثالث: أن الانشاء لا يقبل التصديق والتكذيب فلا يحسن أن يقال لمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا صدق أو كذب الا أن يريد الاخبار عن طلاق وقع على امرأته بخلاف الخبر فانه قابل للتصديق، والتكذيب.

الوجه الرابع: أن الانشاء لا يقع الا منقولا عن أصل الوضع فى صيغ العقود والطلاق والعتاق ونحوها، وقد يقع انشاء فى الوضع الأول كالأوامر والنواهى فانها تنشئ الطلب بالوضع الأول والخبر يكفى فيه الوضع الأول فى فى جميع صوره، فقول الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثا لا يفيد طلاق امرأته بالوضع الأول بل أصل هذه الصيغة أنه أخبر عن طلاقها ثلاثا ولا يلزمه شئ كما يتفق فى بعض أحواله اذا سألته امرأته الطلاق بعد الطلاق ثلاثا فيقول لها أنت طالق ثلاثا اعلاما لها بتقدم الطلاق فهذا هو أصل الصيغة وانما صارت تفيد الطلاق بسبب النقل العرفى عن الاخبار الى الانشاء وكذلك جميع الصيغ (١).

آراء العلماء فى صيغ العقود

من حيث كونها اخبارا أو انشاء

قد اختلف الفقهاء فى صيغ العقود هل هى انشاءات أم اخبارات.

[مذهب الحنفية]

ذهب الحنفية الى أنها اخبارات على أصلها اللغوى، وذهب غيرهم الى أنها انشاءات منقولة عن الخبر مستدلين على ذلك بأمور، قال القرافى: الانشاء ينقسم الى ما اتفق الناس عليه أى على أنه انشاء، والى ما اختلفوا فيه. أما المختلف فيه هل هو انشاء أو خبر فهى صيغ العقود نحو بعت واشتريت وأنت حر وامرأتى طالق ونحو ذلك، قالت الحنفية:

انها اخبارات على أصلها اللغوى، وقال غيرهم: انها انشاءات منقولة عن الخبر اليه محتجين بأمور منها. أنها لو كانت اخبارا لكانت كاذبة لأنه لم يبع قبل ذلك الوقت ولم يطلق، والكذب لا عبرة به لكنها معتبرة فدل ذلك على أنها ليست اخبارا بل انشاء لحصول لوازم الانشاء فيها من استتباعها لمدلولاتها وغير ذلك من اللوازم، ومنها أنها لو كانت اخبارا لكانت اما كاذبة ولا عبرة بها أو صادقة فتكون متوقفة على تقدم أحكامها فحينئذ اما أن تتوقف عليها أيضا


(١) المرجع السابق ح‍ ١ ص ٢٣ الطبعة السابقة.