للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التفويض إليه وإذا عارضه الإمام فأراد نقض ما أمضاه مما هو في ولايته لم يجز له نقض ما أنفذه بإجتهاده من حكم ولا استرجاع ما أعطى من مال على وجهه وإذا حدث ذلك في تقليد وال أو أمير أو تجهيز جيش أو تدبير حرب جاز للإمام معارضته بعزل المولى أو بالعدول بالجيش إلى حيث تقضى الحرب والمكيدة لأن للإمام أن يستدرك ذلك من أفعال نفسه فكان أولى أن يستدركه من أفعال نائبه ووزيره وإذا أمَّر الإمام أميرًا وأمر الوزير غيره على العمل نفسه كانت الإِمارة لأسبقهما ولاية إلا أن يكون تأمير الإِمام قد تم على علم بتأمير الوزير فإن الإِمارة عندئذ لمن أمره الإمام ويكون تأمير الإمام عزلا لمن أمره الأمير - وخالف في ذلك بعض الشافعية فذهبوا إلى أن من ولاه الوزير في هذه الحال لا ينعزل بتولية الإِمام غيره حتى يعزله بقوله عزلتك ونحوه وعندئذ يصير معزولا بقوله لا بتقليده غيره وعلى هذا إن كان النظر مما يصح فيه الاشتراك صح تقليدهما جميعا فكانا شريكين في النظر وإن كان مما لا يصح فيه الاشتراك كان تقليدهما موقوفا على عزل أحدهما وإقرار الآخر فإن أراد ذلك الإِمام جاز له عزل أيهما وإقرار الآخر أما وزير التفويض فليس له عزل من ولاه فقط (١).

[وزارة التنفيذ]

هي إمارة تلى إمارة التفويض في المنزلة والعموم وسلطانها أضعف وشروطها أقل لأن النظر فيها مقصور على رأى الإِمام وتدبيره وليس وزير التنفيذ إلا واسطة بينه وبين رعاياه وولاته يؤدى إليهم ما أمر به وأوجب إنفاذه ويُمضى ما حكم به ويعلن تقليد الولاة والأمراء وتجهيز الجيوش ويقوم بعرض ما ورد منهم على الإِمام ورفع ما حدث من حوادث عليه ليرى فيها رأيه حتى يقوم بتنفيذه فهو منفذ للأمور وليس بوالٍ عليها ولا متقلد لها فإن أشركه الإِمام في الرأى كان باسم الوزارة أولى وأخص وإن لم يشركه فيه كان باسم الوساطة والسفارة أشبه ولا تفتقر هذه الإِمارة إلى تقليد وعقد وإنما تتوقف على مجرد الإِذن ولا يشترط في صاحبها الحرية ولا العلم لأنه ليس له أن ينفرد بولاية ولا حكم ولا تقليد حتى يشترط فيه ما يُشترط في الوزير المفوض من العلم والحرية وإنما هو مقصور. على النظر في أمرين: أحدهما أن يرفع إلى الخليفة ما يجب أن يُرفع إليه؛ وثانيهما أن يقوم عنه بما يأمره به ولذلك يجب أن يراعى فيه الصفات الآتية: أحدها الأمانة حتى لا يخون فيما أؤتمن عليه ولا يفشى فيما استنصح فيه، وثانيها صدق اللهجة حتى يُوثق بخبره فيعمل الخليفة على وقفه إن رأى ذلك؛ وثالثها عدم الطمع حتى لا يرتشى ولا ينخدع؛ ورابعها أن يكون بريئا من العداوة والشحناء فإن العداوة تصد عن النصفة؛ وخامسها أن يكون ذكورا لما يؤديه إلى الخليفة حتى لا يفوته شئ؛ وسادسها الذكاء والفطنة حتى لا تُدَلَّس عليه الأمور فتلتبس؛ وسابعها ألا يكون من أهل الأهواء حتى لا يحيد به الهوى عن الحق فإن الهوي خادع وصارفٌ عن الصواب فإن كان هذا الوزير ممن يشركه الخليفة في الرأى وجب أن يكون من أهل الحنكة والتجربة التي تؤدى إلى صحة الرأى وصواب التدبير ولا يجوز أن تُسند


(١) راجع الأحكام السلطانية للماوردى من ص ١٨ وما بعدها والأحكام السلطانية للقاضى أبي يعلى من ص ١٣ وما بعدها.