للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنهما ومع كبار الصحابة رضوان الله عليهم مشاورة ومعاونة تتحقق بهما معنى الوزارة وإن لم يكن ذلك على سبيل المعاقدة والتقليد حتى إذا استحالت الخلافة ملكا وتطورت أمورها ونظمها وتعددت سلطاتها ودعت الحاجة في قيامها وحسن تدبير أمورها إلى اختيار النظم المحققة لأغراضها والاسترشاد بالنظم التي كانت معروفة في طرائق الحكم في الدول المجاورة تبلور معنى استنابة الخليفة لغيره واستعانته به وارتفعت مرتبته وعظم شأنه وخص باسم الوزير وصارت إليه النيابة عن الخليفة بالتعيين والعقد وتنوعت الوزارة تبعا لتنوع أعمالها فصارت نوعين وزارة تفويض ووزارة تنفيذ وتميزت طبيعة كل منهما واتضحت الفروق بينهما (١).

[وزارة التفويض]

تمتاز وزارة التفويض بأنها إمارة عامة في موضوعها وتكاد تتساوى مع إمارة المؤمنين فيما تقوم به من تدبير وتنظيم ووضع للأمور في مواضعها إذ أنها تقوم على تفويض عام من الإمام لمن يعهد بها إليه من رعيته في تدبير الأمور برأيه وإمضائها حسب اجتهاده ولذا اشترط فيمن يتقلدها شروط الإِمامة فيجب أن يكون من أهل الكفاية فيما توجبه عليه هذه الولاية من أمور الحرب والخراج والإدارة وجميع شؤون الدولة خبيرا بها إذ أن عليه أن يباشرها بنفسه وقد يستنيب فيها عند الحاجة من يكون أهلا. لها ولا يصل إلى استنابة أهل الكفاية فيه إلا إذا كان منهم كمالًا تستقيم الأمور ولا تصلح إذا قصر في ذلك عنهم وهى لا تثبت لمن يتقلدها إلا بعقد من الإمام يتضمن إنابته عنه في النظر والتدبير على وجه العموم لأنها ولاية عامة في النظر والتدبير فلا يكفى في ثبوتها مجرد النص على النيابة دون بيان عموم ما تكون فيه هذه النيابة وذلك لما لها من خطر ولما سيكون لصاحبها من القوامة على جميع أمور الدولة من الحكم بين الناس وتأمير الأمراء وتعيين الحكام والنظر في المظالم وتولى الجهاد وغير ذلك من أمور الدولة العامة. وقد جاء في الأحكام السلطانية لأبى يعلى الحنبلى أن هذه الوظائف هي الدفاع عن الحوزة وتحصين الثغور والقيام بالجهاد وما يستتبعه وهذا ما يسمى بالوظيفة الدفاعية، ثم جباية الفئ والصدقات والخراج وتقدير العطاء وما يستحق في بيت المال وما يستحق له وهذا ما يعرف بالوظيفة المالية ثم القضاء بين الناس وتنفيذ الأحكام وإقامة الحدود الشرعية وهذا ما يجمعه اسم الولاية القضائية ثم استكفاء الأمناء وتقليد الأكفاء والنصحاء وإدارة الأمور وهذا ما يعرف بالوظيفة الإدارية ثم حفظ الدين وإقامة شعائره والقيام على الأخلاق وهذا ما يعرف بالحسبة. فيقوم بذلك بنفسه وله أن يستنيب فيه وعلى الجملة فكل ما يقوم به الإمام يصع أن يقوم به وزير التفويض ما عدا ثلاثة أشياء: أحدها: ولاية العهد فللإمام أن يعهد بالخلافة إلى من يختاره مع مراعاة ما لذلك من شروط وأوضاع وليس فلك لوزير التفويض وثانيها أن للإمام أن يستعفى الأمة وليس ذلك لوزير التفويض لأن في استعفائه ضررا بمصالح الدولة فلابد أن يكون ذلك بموافقة الخليفة. وثالثها أن للإمام أن يعزل من يوليه وزير التفويض وليس لوزير التفويض أن يعزل من يوليه الإمام إلا أن يجعل له الإمام ذلك في عقد


(١) الأحكام السلطانية للماوردى ومقدمة ابن خلدون.