هذا هو كل ما نعرفه حتى الآن عن التدوين الجماعى للفقه وهو يختلف عما يراد بالموسوعة التى يراد بها أن تكون جامعة لكل المذاهب الفقهية الباقية، وأن تكون مرتبة على حروف المعجم فلا يكون تدوينها بطريقة صياغة المواد القانونية إذ أنها لا توضع للإلزام التشريعى.
[ى) حاجة الفقه]
الفقه الإسلامى غنى بثروته الضخمة وما حواه من الأقوال والآراء وأعظم المبادئ، وهو فى الوقت نفسه غنى عن شهادة هؤلاء المحدثين الذين بدأوا ينزلون عن شئ من عصبيتهم وغرورهم وكبريائهم، ويشهدون له من أطراف أنوفهم، وأخذنا نطير فرحا بهذا ونتغنى به، هو غنى عن كل هذا، فهو من صنع العليم الخبير وما استنبط من صنعه، وقد شهد له من قبل تاريخه الطويل والحضارات الاجتماعية المتعاقبة، أيام أن كان أسلاف هؤلاء الشهداء يضربون فى الجهالات وينشرون الجور والظلم، وما هداهم الطريق السوى إلا ما وصل إليهم من شعاع المدنية الاسلامية، فما كان لهؤلاء أن يشهدوا وما كان لنا أن نعتز بما شهدوا.
حقا أن الفقه الإسلامى فى أشد الحاجة إلى شيئين:
أن تراثنا من المؤلفات الفقهية قد سلب وهلك الكثير منه - إن لم نقل الأكثر - لعوامل وأسباب كثيرة، والبقية الباقية منه إما حبيسة مكدسة فى أقبية المكتبات بالآستانة أو غيرها أو شبه معتقلة بدور الكتب الأخرى مع أن فيها من المبسوطات والمختصرات ما له أرفع القيمة وعظيم النفع، وإما متداولة منشورة النشر التجارى وبالطريقة الأولى التى تخلق الصعوبات لأهل هذا الفقه وغيرهم البعيدة عما وصل إليه العالم من طرق التحقيق والنشر. فالفقه أحوج ما يكون إلى بعث المقبور، ومسايرة أحدث أساليب النشر ليصبح الفقه الإسلامى ميسورا يسهل الوصول أليه لكل من يبتغيه.
تفرق المسلمون شيعا وأحزابا بسبب الحكم والإمامة والسياسة وأورثهم هذا التنازع الضعف والوهن والفشل والخذلان وتسلط أعدائهم عليهم وعلى ديارهم وأخذهم بنواصيهم، فأماتوا فيهم أحكام ربهم وفرضوا عليهم شرائعهم التى لا تلائم فطرتهم ولا تقاليدهم. وفتنوا من فتنوا من أبنائهم فكانوا أولياءهم وأشد منهم حمية فى تعطيل أحكام الله وحدوده، فحق على المسلمين أن يفيقوا من غشيتهم، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا وألا يتفرقوا، وأن يميتوا أسباب خلاف قد انقضى عهده وأن يواجهوا عدوهم بوحدة الكلمة والعودة إلى سيرة السلف الصالح، وحق عليهم أن يعملوا على اجتماع كبار الفقهاء من جميع الأقطار وأئمة المذاهب الاسلامية للتقصى والبحث والتشاور وإعادة سنة الخلفاء الراشدين فى ذلك، ليواجهوا المحدثات من الواقعات والنوازل فيستنبطوا لها أحكامها مما أنزل الله وسنن رسوله واهتدى إليه أئمة الدين، وليتخيروا من كل هذا أصول المسائل والقواعد الكلية التى تكون مصدرا أساسيا لأى تشريع يصدر فى بلد إسلامى، ليعملوا جاهدين على إحياء تراثنا الفقهى المهدد من جميع نواحيه،