للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مضمونا وهو قادر على تسليم مثله من عنده لكون الفعل مشروعا له من جنسه أمر يصرف ما له إلى ما عليه. وسقط فضل الوقت إلى غير مثل وإلى غير ضمان إلا بالإثم إن كان عامدا للعجز فإذا عقل هذا وجب القياس به في قضاء المنذورات المتعينة من الصلاة والصيام والاعتكاف وهذا أقيس وأشبه بمسائل أصحابنا.

وقال البخارى تعليقا على قول البزدوى: (١)

يدل على صحة الوجه الأول ما ذكره الشيخ رحمه الله في شرح التقويم: "ثم اختلف أصحابنا قال بعضهم القضاء يجب بأمر مبتدأ "مجدد" من الله تعالى. وقال بعضهم لا يحتاج إلى أمر مبتدأ بل يجب المثل إذا فات المضمون بالكتاب والسنة والإجماع". ويدل على ذلك أيضا ما ذكره صاحب الميزان فيه حيث قال: "اختلف مشايخنا في الأمر المؤقت إذا خرج الوقت قبل تحصيل الفعل حتى وجب القضاء أنه يجب بالأمر السابق أو يجب بأمر مبتدأ. قال بعضهم يجب بالأمر السابق وقال بعضهم يجب بأمر مبتدأ. وعليه يدل سياقه كلام شمس الأئمة السرخى رحمه الله أيضا. وذكر صدر الإسلام أبو اليسر: قال عامة الفقهاء إن الوقت متى فات لا يبقى المأمور به دينا في الذمة ويجب القضاء في وقت آخر بدليل أخر. وقال بعض الناس يبقى دينا في الذمة بعد خروج الوقت بحكم ذلك الأمر.

والحاصل أن وجوب القضاء لا يتوقف على أمر جديد. وإنم يجب بالأمر الأول عند القاضي الإمام أبى زيد وشمس الأئمة والمصنف ومن تابعهم وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي والحنابلة وعامة أصحاب الحديث. وعند العراقيين من أصحابنا وصدر الإسلام أبى اليسر وصاحب الميزان أنه لا يجب بالأمر الأول بل بأمر آخر وبدليل آخر وهو مذهب عامة أصحاب الشافعي وعامة المعتزلة.

والخلاف إنما هو في القضاء بمثل معقول، فأما القضاء بمثل غير معقول فلا يمكن إيجابه إلا بنص جديد بالاتفاق (٢)

احتج من قال بأنه يجب بأمر مبتدأ بأن الواجب بالأمر الأول أداء العبادة ولا مدخل للرأى في معرفتها وإنما يعرف بالنص، فإذا كان الأمر مقيدا بوقت كان كون المأمور به عبادة مقيدا به أيضا ضرورة توقفة على الأمر. فإن العبادة مفسرة بأنها فعل يأتى به المرء على وجه التعظيم لله تعالى بأمره. وإذا كان كذلك لا يكون الفعل في توفت آخر عبادة بهذا الأمر لعدم دخوله تحت الأمر كمن قال لغيره: افعل كذا يوم الجمعة لا يتناول هذا الأمر ما عدا الجمعة بحكم الصيغة كما لو كان مقيدا بالمكان بأن قيل اضرب من كان في الدار لا يتناول من لم يكن فيها، وإذا لم يتناوله الأمر كان الفعل بعد الوقت وقبله سواء فيحتاج إلى أمر آخر ضرورة. ولا يمتتع أن يكون الفعل مصلحة في وقت دون غيره، ولهذا كانت الصلوات مخصوصة بأوقات والصوم كذلك.

ولا يقال نحن لا ندعى أنه يتناوله من حيث الصيغة لأنه لو كان كذلك لما سمى قضاء. ولكنا


(١) المصدر السابق جـ ١ ص ١٣٩.
(٢) لكن في مسلم الثبوت طبق على قوله إن الخلاف مطلق كما هو الظاهر من كلام الأئمة وذكر شارحه أن نقل صاحب الكشف بعيد، مسلم الثبوت وشرحه الهامش المستصفى جـ ١ ص ٨٩.