للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو الباغى وإن كان الأولى ألا يعمد إلى أبيه أو جده ما دام يجد غيرهما، وسنده فى ذلك أن بر الوالدين وصلة الرحم إنما أمر الله تعالى بهما، ما لم يكن فى ذلك معصية لله تعالى، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طاعة لأحد فى معصية الله تعالى)، وقد أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية ولم يخص بذلك ابنا من أجنبى قال الله تعالى {(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} (١) وقال تعالى: {(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» وقتال أهل البغى قتال فى الدين، وإذا رأى الابن أباه أو جده يقصد إلى مسلم يريد قتله وجب على الابن حينئذ الدفاع عن المسلم بأى وجه أمكنه، حتى ولو كان فى ذلك قتل الأب أو الجد (٢)

ويرى فقهاء الإباضية أن الأولى للابن ألا يقتل أباه حتى ولو تعرض له أبوه فى القتال وأن يترك ذلك لغيره، لكن إن قتله فلا شئ عليه، فقد نصوا فى حقوق الأبوين على الابن على أن (يأمرهما وينهاهما وينتصف منهما لغيره باللين وإذا وجب عليهما حد أو أدب أو حبس فالأولى أن يلى ذلك غيره وكذا فى القتال إن تعرض له أبوه فالأولى ألا يقتله وإن فعل ذلك فلا بأس عليه (٣).

القود فى قتل الابن لأبيه:

قال فقهاء الحنفية: الابن إذا قتل أحد أبويه قتلا يوجب القصاص، وجب القصاص من الابن للعموم الوارد فى قوله تعالى:

{(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (٤) وقوله تعالى: {(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى} (٥) وقوله عليه الصلاة والسلام:

(العمد قود) فعموم هذه النصوص يوجب القود من الابن إذا قتل أباه ولم يرد نص يقتضى إسقاط‍ القصاص بالنسبة (٦).

ومذهب الشافعية كمذهب الحنفية فيقتل الابن إذا قتل أباه قتلا يوجب القصاص، لأنه إذا قتل بمن يساويه فلأن يقتل بمن هو أفضل منه أولى (٧).

ومذهب الحنابلة كمذهب الحنفية أيضا (٨)

ومذهب المالكية كمذهب الحنفية فى ذلك أيضا لأنهم إنما استثنوا من وجوب القتل قصاصا الأب فقط‍ فى حالة خاصة وهى ما إذا لم يقصد إزهاق روح ابنه أما الابن فانه كغيره (٩).


(١) سورة الممتحنة: ٨، ٩.
(٢) المحلى ج‍ ١١ ص ١٠٨، ١٠٩.
(٣) شرح النيل ج‍ ٢ ص ٥٩٣، ٥٩٤.
(٤) سورة المائدة: ٤٥.
(٥) سورة البقرة: ١٧٨.
(٦) الزيلعى ج‍ ٦ ص ١٠٥ والدرر ج‍ ٢ ص ٩١.
(٧) المهذب ج‍ ٢ ص ١٨٦ والنهاية ج‍ ٣ ص ٤٦، ٤٧.
(٨) كشاف القناع ج‍ ٣ ص ٣٥٢.
(٩) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج‍ ٤ ص ٢٣٧، ٢٦٧.