للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كقولنا: أمر فلان مستقيم أي شأنه. الخامس الفعل كما تقدم في الآيتين:

فإذا تجرد عن القرائن كقول القائل أمر فلان أو هذا أمر ترددنا بين هذه الخمسة والتردد آية الاشتراك وعلامته.

وجوابه أنا لا نسلم حصول التردد بل يتبادر القول الطالب للفعل. والتبادر أمارة الحقيقة ثم تكلم المصنف وشارحه عن مفهوم الطلب الوارد في تعريف الأمر فقالا: إن الطلب بديهى التصور أي أنه لا يحتاج في معرفته إلى تعريف بحد أو رسم كالجوع والعطش وسائر الوجدانيات فإن من لم يمارس العلوم ولم يعرف الحدود والرسوم يأمر وينهى ويدرك تفرقة ضرورية بينهما.

وقالا: إن هناك فرقًا بين الطلب والإرادة كما أن الطلب غير العبارات المختلفة التي تدل عليه، أما مغايرته للعبارات فلأن الطلب معناه واحد لا يختلف باختلاف الأمم والعبارات مختلفة باختلاف اللغات وأما مغايرته للإرادة فقد خالف فيه المعتزلة. ثم قال: (١)

"والحاصل أن الأمر اللسانى دال على الطلب بالاتفاق لكن الطلب عندنا غير الإرادة وعند المعتزلة عينها أي لا معنى لكونه طالبًا إلا كونه مريدًا".

ثانيًا: طريقة الحنفية

يتضح رأى الحنفية بثلاثة مذاهب نذكرها فيما يلى:

[١ - البزدوى والبخارى]

قال البخارى في تعليقه على كلام اليزدوى في هذا المقام: يلاحظ أن البزدوى لم يعرف الأمر الذي هو بمعنى القول وقد علل البخارى هذا "بأن القوم اختلفت عباراتهم في تعريفه (٢) وقد أورد عددًا من هذه التعريفات وذكر أن أقربها إلى الصواب هو: اللفظ الدال على طلب الفعل بطريق الاستعلاء.

ثم قال: واختار بعض المتأخرين أن الأمر اقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء. فأراد بالاقتضاء ما يقوم بالنفس من الطلب لأن الأمر بالحقيقة هو ذلك الاقتضاء والصيغة سميت به مجازًا.

ثم بين البخارى الفرق بين ما اختاره وبين غيره مما ذكره المخالفون فقال واعلم أن المخالفين وافقونا على أن الأمر اسم لما هو موجب وأن الإيجاب لا يستفاد إلا بالأمر فصارا متلازمين وأن الصيغة المخصوصة تسمى أمرًا فيحصل بها الإيجاب. ولكن الاختلاف في أن الفعل: هل يسمى أمرًا حقيقة حتى يحصل به الإيجاب؟

فعندنا لا يسمى أمرًا على الحقيقة فلا يستفاد منه الإيجاب، وعندهم يسمى أمرًا بطريق الحقيقة فيفيد الإيجاب، فهذا معنى قول الشيخ اليزدوى "وحاصل ذلك" أي حاصل هذا الاختلاف أن أفعال النبي عليه الصلاة والسلام عندهم موجبة كالأمر المتفق عليه وهو صيغة "افعل".


(١) المصدر السابق ص ٢٥٢.
(٢) المصدر السابق ص ١٠١.