للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصورة المسألة أنه إذا نقل إلينا فعل من أفعاله عليه الصلاة والسلام التي ليست بسهو مثل الزلات ولا طبع مثل الأكل والشرب ولا هي من خصائصه مثل وجوب الضحى والسواك والتهجد والزيادة على الأربع ولا ببيان لمجمل مثل قطعه يد السارق من الكوع فإنه بيان لقوله تعالى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (١).

هل يسعنا أن نقول فيه: أمر النبي عليه الصلاة والسلام بكذا. وهل يجب علينا اتباعه في ذلك أم لا؟

قال: عند عامة العلماء لا يصح إطلاقه عليه بطريق الحقيقة ولا يجب الاتباع وأما إذا كان بيانًا لمجمل فيجب الاتباع بالإجماع ولا يجب في الأقسام الأخر بالإجماع.

ثم انتقل إلى بيان الاختلاف في لفظ الأمر فقال: بعضهم يرى أن لفظ الأمر مشترك بين الصيغة المخصوصة والفعل بالاشتراك اللفظى كاشتراك لفظ العين بين مسمياته وقال بعضهم: هو مشترك بالاشتراك المعنوى كاشتراك الحيوان بين الإنسان والفرس.

والحاصل أن الإيجاب مع حقيقة الأمر متلازمان يثبت كل واحد بثبوت الآخر وينتفى بانتفائه فيلزم من انحصار الإيجاب على الصيغة انتفاء الإشتراك في لفظ الأمر ومن ثبوته بغير الصيغة ثبوت الاشتراك، فلهذا يتعرض في الدلائل تارة لنفى الاشتراك وإثباته وتارة لنفى الوجوب عن غير الصيغة وإثباته.

ثم نقل حجج من قال بالاشتراك اللفظى ومنها: (٢).

- من الكتاب قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} (٣) أي فعله وطريقته لأنه وصفه بالرشد.

والفعل إنما يوصف به لا القول. وقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (٤) وقوله عز اسمه: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (٥) أي صنعه.

فأطلق لفظ الأمر في هذه الآيات على الفعل والأصل في الإطلاق الحقيقة:

- ومن السنة ما روى أنه عليه الصلاة والسلام شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاها مرتبة وقال: "صلوا كما رأيتمونى أصلى" وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال في حجة الوداع: "خذوا عنى مناسككم فإنى امرؤٌ مقبوض" فجعل" المتابعة لازمة فثبت بالتنصيص أنه فعل موجب وإن لم يكن موجبًا لذاته كما ثبت بالتنصيص وهو قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (٦) أن قوله موجب وإن لم يصلح أن يكون موجبًا لذاته لأنه بشر مثلنا.

ومن اللغة أن اختلاف الجمع في لفظ واحد باعتبار معنيين مختلفين يدل على أنه حقيقة في كل واحد منهما. فإن العود بمعنى الخشب يجمع على عيدان وبمعنى اللهو على أعواد. وقد جمع الأمر بمعنى الفعل على أمور وبمعنى القول على أوامر فيكون الأمر حقيقة فيهما. (٧)


(١) آية ٣٨ سورة المائدة.
(٢) المصدر السابق ص ١٠٣.
(٣) آية ٩٧ سورة هود.
(٤) آية ٣٨ سورة الشورى.
(٥) آية ١٧ سورة المائدة.
(٦) آية ٩٢ سورة المائدة.
(٧) المصدر السابق.