للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجعية اذا قال لها أنت طالق ان أراد الاخبار عن الطلقة الماضية لم تلزمه طلقة ثانية، وان قصد الاخبار عن طلقة ثانية فهو اخبار كاذب لعدم تقدم وقوع ثانية فيحتاج للتقدير لضرورة التصديق فتلزمه الثانية بالتقدير كالأولى فالقول أن المطلقة الرجعية تستغنى عن التقدير غير مسلم بل هى وغيرها سواء، وانما يلزم الفرق بينها وبين غيرها اذا كان قوله: أنت طالق اخبارا عن الطلقة الأولى، وليس كذلك، ولم يجب الحنفية على الأخير وعلق صاحب الفروق بعد ذلك بقوله: هذه أجوبة حسنة للحنفية.

أما الوجه السادس فلا يتأتى الجواب عنه الا بالمكابرة، فان المبادرة للانشاء والعدول عن الخبر مدرك لنا بالعقول بالضرورة ولا نجد فى أنفسنا أن القائل لامرأته: أنت طالق أنه يحسن تصديقه وتكذيبه لما ذكر من التقدير والبحث فى هذا المقام يعتمد التناصف فى الوجدان، أما الأجوبة المتقدمة عن بقية الوجوه فستجهة صحيحة، والأخيرة هو العمدة المحققة (١).

هكذا نقل القرافى عن الحنفية، وقول صاحب الهداية: البيع: انشاء تصرف، والانشاء يعرف بالشرع، والموضوع للاخبار قد استعمل فيه فينعقد البيع به، وعلق عليه الكمال بن الهمام فى فتح القدير بما نصه:

والحاصل أن الانشاء على هذا الوجه لا يمكن الا ممن له الخلق والأمر تبارك وتعالى سواء سمى غيره انشاء اصطلاحا أولا واذا كان الانشاء لا يعرف الا بالشرع ولم يوضع له فى اللغة لفظ‍ يخصه، والشرع قد استعمل فى اثباته من اللغة لفظ‍ الخبر أى وضعه علة باثباته تعالى ذلك المعنى عنده فينعقد به أى يثبت به وهذه العبارة تدل على أن الخبر قد استعمل فى الانشاء (٢).

الفرق بين الانشاء والاخبار

فى الطلاق وغيره من العقود

اذا قال لامرأته: أنت طالق فانه لا يفيد الطلاق بالمعنى اللغوى لأن هذا اللفظ‍ انما وضع لغة للخبر عن كونها طالقا وهو لو أخبر عن كونها طالقا لم يلزمه طلاق قصد الصدق أو الكذب، ألا ترى أنه لو تقدم طلاقها فسئل عنها هل هى مطلقة أو باقية فى العصمة فقال: هى طالق جوابا لهذا السؤال لم يلزمه بهذا طلقة ثانية وان كانت رجعية فى العدة، وانما يلزم الطلاق بقوله:

أنت طالق بالانشاء الذى هو الوضع العرفى لا اللغوى وقد فرق الفقهاء بين قوله: أنت طالق وبين قوله: أنت منطلقة وألزموا بالأول الطلاق من غير نية ولم يلزموا بالثانى الا بالنية ولم يكتفوا بالوضع اللغوى وما ذلك الا لأن لفظ‍ طالق نقل للانشاء ولم ينقل لفظ‍ منطلقة له، فيعلم أن لفظ‍ الطلاق انما يزيل العصمة بغير الوضع اللغوى بل بالوضع العرفى وهذا يفيد أن زوال العصمة بالعرف والعوائد وأنها مدرك افادته كذلك لتنقلنا معها كيف تنقلت لأنها المدرك (٣).

والانشاء فى الطلاق والاقرار والعتق والعقود، منقول عن الاخبار بالعرف على


(١) الفروق للقرافى ح‍ ١ ص ٢٩، ٣٠، ٣١ الطبعة السابقة.
(٢) فتح القدير للكمال بن الهمام مع شرح العناية على الهداية ح‍ ٥ ص ٧٥ الطبعة الاولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة ١٣١٥ هـ‍.
(٣) الفروق للقرافى ح‍ ١ ص ٣٧، ٣٨ الطبعة السابقة.