للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لغلبة استعماله فيها حينئذ والتبادر علامة للحقيقة.

ونقلًا عن أبى الطيب والشيرازى والرازى أنه للوجوب حقيقة كما في غير ذلك وأن غلبة الاستعمال في الإباحة لا تدل على الحقيقة فيها.

وأضاف العطار في حاشيته قولًا آخر وهو الندب ومثل له بقوله عليه السلام للمغيرة بن شعبة - وقد خطب امرأة: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" فإنه أمر وارد بعد الحظر وهو تحريم النظر إلى الأجنبية عند خوف الفتنة.

ثم إنهما ذكرا قولا خامسًا وهو إسقاط الحظر والرجوع إلى ما كان عليه من وجوب أو غيره.

ونقل الكمال بن الهمام (١) أن أكثر المتفقين على الوجوب لصيغة الأمر حقيقة يرون أن صيغة الأمر بعد الحظر للإباحة باستقراء الاستعمالات الشرعية فوجب الحمل على الإباحة عند التجرد عن الموجب لغيره لوجوب الحمل على الغالب لصيرورته كالأصل بالنسبة إلى غيره ما لم يعلم أن المحمول ليس من الغالب.

ثم قال: "ولا مخلص من القول بأنه للإباحة للاستقراء المذكور إلا بمنع صحة الاستقراء إن تم منع صحته وهو محل نظر. وما قيل من أن أمر الحائض والنفساء بالصلاة والصوم بعد تحريمهما عليهما في الحيض والنفاس يفيد الوجوب لا الإباحة غلط لأن أمرهما بهما مطلق عن الترتيب على سبق الحظر والكلام في أن الأمر بعد الحظر للإباحة إنما هو في المتصل بالنهى على سبيل الإخبار كقوله - صلى الله عليه وسلم - "كنت نهيتكم" وفى الأمر المعلق بزوال سبب الحظر كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ}.

ورد الاعتراض بقوله: "ويدفع هذا التخليط بورود الأمر للحائض في الصلاة معلقًا بزوال سبب الحظر في قوله: "فإذا أدبرت الحيضة فاغسلى عنك الدم وصلى" فعلق الأمر بالصلاة على زوال سبب حرمتها وهو انقطاع الحيض.

وانتهى إلى القول (٢): بأن الحق أن الاستقراء دل على أن الأمر بعد الحظر لما كان عليه المأمور به قبل المنع فإن اعترض الحظر على الإباحة ثم وقع الأمر بذاك المباح أولا "كاصطادوا" فالأمر للإباحة أو اعترض على الوجوب "كاغسلى عنك وصلى" فالأمر للوجوب فلنختر ذلك التفصيل.

رابعًا: الحنابلة:

إذا وردت صيغة الأمر بعد الحظر اقتضت الإباحة وهو ظاهر قول الشافعي. وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين: تفيد ما كانت تفيده لولا الحظر لعموم أدلة الوجوب ولأنها صيغة أمر مجردة عن قرينة فأشبهت ما لم يتقدمه حظر ولأن صيغة الأمر اقتضت نسخ الحظر وقد ينسخ بإيجاب وينسخ بإباحة. وإذا احتمل الأمرين بقى الأمر على مقتضاه في الوجوب. ولأن النهى بعد الأمر يقتضى ما كان مقتضيًا له فكذلك الأمر بعد الحظر.


(١) التقرير والتحبير جـ ١ ص ٢٠٧.
(٢) المصدر السابق ٢٠٨.