للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بينا من قبل خلاف الحنابلة فى جواز حرق المرتد. وأن ابن قدامة أجاز ذلك ولم يجزه صاحب منتهى الإرادات، وكذلك نصت بعض المذاهب على أن المثلة بعد النصر فى القتال غير جائزة (١). وأنه إذا قدر على العدو فلا يجوز تحريقه بالنار (٢).

ونصت بعض المذاهب (٣) أيضا على عدم جواز إحراق العبد بالنار أو التمثيل به أو وسم أى عضو منه بما يحرق وأنه إذا تعرض لذلك يعتق.

الجناية على الأموال بالإحراق

وضمان ما يحرق من المال

من يتسبب فى الجناية على مال بإحراقه ضمن، وفى ذلك:

[مذهب الحنفية]

قال الحنفية (٤): انه لو وضع فى الطريق جمرا فاحترق به شئ كان ضامنا، لأنه كان متعديا بوضع النار فى الطريق وإن حركته الريح فذهبت به الى موضع آخر ثم احترق به شئ لا يكون ضامنا. وقالوا هذا إذا لم يكن اليوم ريحا، فإن كان ريحا كان ضامنا لأنه علم حين ألقاه فى الطريق أن الريح تذهب به إلى موضع آخر، فيضاف التلف إليه فيكون ضامنا، ولو أن رجلا مر فى ملكه وهو يحمل نارا فوقعت شرارة منها على ثوب إنسان فاحترق .. ذكر فى النوادر أنه يكون ضامنا ولو طارت الريح بشرر ناره وألقته على ثوب إنسان لا يضمنه لأن الاحتراق حصل من الريح هاهنا. هذا إذا كان فى موضع له حق المرور فيه، فإن لم يكن له حق المرور فى ذلك الموضع يكون ضامنا. ولو أحرق كلأ أو حصائد فى أرضه فذهبت النار يمينا وشمالا وأحرقت شيئا لغيره لم يضمنه لأنه غير متعد.

[مذهب المالكية]

ويذهب المالكية (٥) إلى مثل ما ذهب إليه الحنفية فقالوا:

من أجج نارا (أى أشعلها) فى يوم عاصف (أى شديد الريح) فأحرقت شيئا فإنه يضمنه إلا أن يكون ذلك فى مكان بعيد لا يظن وصول النار الى الشئ الذى حرق فإنه لا ضمان عليه حينئذ، كذلك لا ضمان على من أجج نارا فى وقت لا ريح فيه، ثم أن الريح عصفت عليها فنقلتها إلى متاع شخص فأتلفته.

[مذهب الشافعية]

وقال الشافعية (٦) بمثل هذا المذهب أيضا، فنصوا على أنه إن سقط‍ الشرر على مال بعارض ريح ونحوها لم يضمن، لأن التلف لم يحصل بفعله، ولو أوقد نارا فى أرضه فحملتها الريح إلى أرض غيره


(١) وذلك عند الحنفية البحر الرائق لابن نجيم ج‍ ٥ ص ٨٣.
(٢) وذلك عند الحنابلة - المغنى ج‍ ١٠ ص ٥٠٢.
(٣) عند المالكية الدردير ج‍ ٢ ص ٤١٣ وعند الحنابلة المحرر ج‍ ٢ ص ٢ وعند الظاهرية المحلى ج‍ ٩ ص ٢١٠.
(٤) الفتاوى الهندية ج‍ ٣ ص ٤٥٨، ٤٥٩، ٣٩٨.
(٥) شرح الخرشى ج‍ ٨ ص ١١١ ومواهب الجليل للحطاب ج‍ ٦ ص ٣٢١ وشرح الخرشى ج‍ ٨ ص ١١٢.
(٦) المهذب ج‍ ٢ ص ١٥٢، ٢٧٥.