للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استمرار التمكين بعد الوطء كبقاء بعض المبيع مع إعسار المشترى، فله ارتجاع الباقى، قلت: لازم لهم على مقتضى قياسهم. فإن تزوجته بعد العلم بإعساره فلا خيار لها، إذ قد رضيته، وكذا لو مكنته بعد الإِعسار، وقيل: بل تخير إذ دخلت وهى تجوز إيساره من بعد كالنفقة. قلنا: وجوب النفقة متجدد بخلاف الصداق فافترقا قلت: وقياس المذهب لا فسخ مطلقا كما في النفقة. ولها الامتناع إن لم يسمه حتى يسمى، وإذا سمى فحتى يعين لما مر، وما عينه ملكته كثمن المبيع المعين (١). ونشوز (٢) المرأة يسقط حقوقها غير المهر، إذ هو عوض الاستمتاع، ويجوز ضربها وهجرها للآية: والمذهب أنه لا ضرب إلا بعد الوعظ ثم الهجر، ولا يجمع بينهما كالنهى عن المنكر، قال الصيمرى: بل يجمع بينهما لظاهر الآية، قلنا القياس مقيد لها. والهجر إنما هو في المضجع للآية، لا في الكلام، فلا تحل فوق ثلاث للخبر، ولا يضربها ضربا مبرحا - وهو ما أدمى أو خشى منه تلف نفس أو عضو - ولا يزيد عدده على الحد، ويتوقى الوجه والمراق، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تضربوا إماء الله" منسوخ بإذنه بعد ذلك فيما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أنه قال: "كنا معشر قريش تغلب رجالنا نساءنا، فقدمنا المدينة فوجدنا نساءهم تغلب رجالهم، فخالطت نساؤنا نساءهم فذئرت (٣) على أزواجهن. فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله؛ ذئرت النساء على أزواجهن، فأذن رسول االله - صلى الله عليه وسلم - بضربهن" (٤).

[مذهب الإمامية]

جاء في الروضة البهية أن للزوجة أن تمتنع قبل الدخول حتى تقبض المهر حالا، سواء كان الزوج موسرا أو معسرا، وسواء كان المهر عينا أو منفعة، وسواء كان متعينا أو في الذمة، لأن النكاح في معنى المعاوضة وإن لم تكن محضة، ومن حكمها أن لكل من المتعاوضين الامتناع من التسليم إلى أن يسلم إليه الآخر فيجبرهما الحاكم على التقابض معا لعدم الأولوية بوضع الصداق عند عدل إن لم يدفعه إليها ويأمرها بالتمكين. وهذا الحكم لا يختلف على تلك التقديرات. وربما قيل إنه إذا كان معسرا فليس لها الامتناع لمنع مطالبته، ويضعَّف بأن منع المطالبة لا يقتضى وجوب التسليم قبل قبض العوض، هذا إذا كان المهر حالا، فإن كان مؤجلا فإن تمكينها لا يتوقف على قبضه إذ لا يجب لها حينئذ شئ فيبقى وجوب حقه عليها بغير معارض، ولو أقدمت على فعل المحرم وامتنعت إلى أن حل الأجل ففيه قولان: جواز امتناعها حينئذ إلى أن تقبضه تنزيلا له منزلة الحال ابتداء، وعدم امتناعها بناء على وجوب


(١) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للإمام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى جـ ٣ ص ١٠٥، ص ١٠٦ الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة ١٣٦٧ هـ سنة ١٩٤٨ م.
(٢) النشوز في عرف اللغة الميل، وفى الشرع مخالفة ما تقتضيه المودة بين الزوجين، فنشوز المرأة منع الزوج من الاستمتاع لا على وجه حسن التبعل، لا مجرد الشتم له وفعل ما لا يرضاه ما لم تخرج من بيته وإن استحقت التأديب، وفى كونه إلى الزوج أو الحاكم ترد.
(٣) يقال ذئرت المرأة بذال معجمة مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم راء مهملة إذا نشزت ونفرت.
(٤) البحر الزخار لأحمد بن يحيى بن المرتضى جـ ٣ ص ٨٨، ص ٨٩ الطبعة السابقة.