للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشاهدين». وقوله سبحانه «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط‍ شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين». فقد قال المفسرون ان شهادة المرء على نفسه هى الاقرار. وقوله عز وجل «وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه. فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو. فليملل وليه بالعدل». والاملال هو الاقرار. وقد أمر الله سبحانه وتعالى صاحب الحق بالاملال. فلو لم يكن اقراره حجة عليه ويؤاخذ به لما امر الله به .. فالأمر دليل الحجية ..

وأما السنة: فما روى الشيخان وغيرهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قبل من ماعز.

والغامدية اقرارهما على نفسيهما بالزنا وعاملهما به واقام الحد عليهما بناء عليه. مع أن الحد يدرأ بالشبهة. فلو لم يكن الاقرار حجة قاطعة لدرأ الحد عنهما .. وايضا فقد قال فى قصة العسيف لرجل من اسلم هو انيس بن الضحاك .. واغد يا انيس الى امرأة هذا - وكانت من اسلم ايضا - فان اعترفت فارجمها فرتب الامر برجمها على اعترافها وهو الاقرار.

وهذا دليل حجيته ..

وأما الاجماع: فلان الامة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى عصرنا هذا قد اجمعت على أن الاقرار حجة على المقر بل هو من اقوى الحجج لأن احتمال الكذب به بعيد.

وأما القياس: فلانه قد ثبت بالدليل وجوب الأخذ بالشهادة وبناء الحكم عليها مع احتمال الكذب فيها لرجحان جانب الصدق على جانب الكذب. وافادتها العلم بالمشهود به لدى القاضى. واحتمال الصدق فى الاقرار اقوى من الشهادة لأن الانسان لا يشهد على نفسه الا وهو صادق عادة والبعد عن الريبة فيه اظهر من الشهادة. فلأن يجب الأخذ به والحكم بمقتضاه اولى (١).

[اركان الاقرار]

اركان الاقرار عند الشافعية اربعة: مقر ومقر له - ومقر به. وصيغة. وزاد بعضهم ركنا خامسا وهو المقر عنده من حاكم أو شاهد. واعترض على ذلك بانه لو كان هذا ركنا لما صح اقرار الشخص غالبا بحيث لا يسمعه الا الله تعالى. ثم تبين فيما بعد انه اقر خاليا. ولما جاز الاعتداد بهذا الاقرار ولم يكن للمقر له أن يطالبه بمقتضاه ولا أن يدعى به عليه. بحجة فساد الاقرار لعدم تحقق ركنه المذكور. وذلك ممنوع وغير مسلم ..

«وأركانه أربعة (٢) مقر. ومقر له وبه. وصيغة» وعلق الشبراملسى فى الحاشية على ذلك بقوله:

وزاد بعضهم المقر عنده من حاكم أو شاهد.

وقد ينظر فيه بأنه لو توقف تحقق الاقرار على ذلك لزم انه لو اقر خاليا بحيث لا يسمعه الا الله تعالى. ثم بعد فترة تبين انه اقر خاليا فى يوم كذا لم يعتد بهذا الاقرار ولم يكن للمقر له المطالبة بمقتضاه ولا الدعوى بسببه لفساده وعدم صحته شرعا لعدم وجود ركنه المذكور والظاهر أن ذلك ممنوع قطعا فليتأمل.


(١) المرجعان السابقان. والمهذب ج‍ ٢ صفحة ٣٤٣.
(٢) نهاية المحتاج ج‍ ٥ ص ٦٥.