للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البينة من المدعى لقول النبى صلى الله عليه وسلم للمدعى: ألك بينة؟ فقال: لا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لك يمينه، فان النبى عليه السلام ذكر اليمين بعد ما عجز المدعى عن البينة، ولان اليمين وجبت للحاجة الى دفع التهمة وهى تهمة الكذب فى الانكار، فاذا كان مقرا فلا حاجة الى اليمين لان الانسان لا يتهم فى الاقرار على نفسه.

ويثبت حق الاستحلاف بالطلب من المدعى لان اليمين وجبت على المدعى عليه حقا للمدعى وحق الانسان قبل غيره واجب الايفاء عند طلبه.

واذا قال (١) المدعى لى بينة حاضرة فى المصر وطلب يمين خصمه لم يستحلف عند أبى حنيفة وقال أبو يوسف: يستحلف لان اليمين حقه بالحديث المعروف وهو قوله عليه الصلاة والسلام: لك يمينه، فاذا طالبه به يجيبه، ولابى حنيفة أن ثبوت الحق فى اليمين مرتب على العجز عن اقامة البينة لما روينا من قوله عليه الصلاة والسلام للمدعى: ألك بينة؟ فقال: لا، فقال: لك يمينه، فانه عليه الصلاة والسلام ذكر اليمين بعد ما عجز المدعى عن البينة فلا يكون حقه دونه كما اذا كانت البينة حاضرة فى مجلس الحكم حيث لا يحلف اتفاقا.

[مذهب المالكية]

يذهب المالكية (٢) الى أن حق الاستحلاف يثبت على المدعى عليه عند انكاره وعدم اقامة البينة من المدعى.

لكنهم يختلفون فى هل يشترط‍ اثبات الخلطة لتوجه اليمين على المدعى عليه أم لا تشترط؟ وتتوجه اليمين ولو لم تثبت خلطه.

أما الامام مالك وعامة أصحابه فانهم يرون أنه لا بد من اثبات الخلطة لتوجه اليمين وهو أن يثبت المدعى أنه خالط‍ المدعى عليه بدين ولو مرة أو تكرر بينهما بيع بالنقد الحال، وان كان ثبوت الخلطة بشهادة امرأة لان القصد من الخلطة هو حصول الظن بثبوت المدعى به وهو يثبت بشهادة الواحد ولو أنثى وهذا هو الرأى المشهور فى المذهب كما قال الدسوقى.

وأما ابن نافع وصاحب المبسوط‍ وابن عبد الحكم وابن لبابة وغير هؤلاء من المتأخرين فانهم يرون أن اليمين تتوجه على المدعى عليه عند الانكار والعجز عن البينة ولو لم تثبت خلطة وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى واليمين على من أنكر، وهذا الرأى هو مقابل المشهور لكنه الرأى المعتمد فى المذهب كما قال الدسوقى وذلك لجريان العمل به وما جرى عليه العمل مقدم على المشهور فى المذهب ان خالفه.


(١) شرح العناية على الهذاية على هامش نتائج الافكار ج‍ ٦ ص ١٥٣، ص ١٥٤.
(٢) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج‍ ٤ ص ١٤٥، ص ١٤٦ الطبعة السابقة.