للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يقال: إن الموضوع للمعانى إنما هي المبارات لا غير وهى وافية بالمقاصد بل زائدة عليها فيكون الدال على الإيجاب هو القول لا الفعل. وأيضًا المقصود بالأمر من أعظم المقاصد لكونه مَبْنَى الأحكام ومناط الثواب والعقاب فيجب أن يختص بالصيغة ولا يحصل بغيرها كمقاصد الماضي والحال والاستقبال لا تحصل إلا بصيغتها. وكلاهما ضعيف لأن انحصار الموضوع في اللفظ ووفاء بالمقاصد في حيز المنع. وعلى تقدير التسليم لا ينافى كون الفعل للإيجاب لأن القائلين به لا يدعون كونه موضوعًا لذلك بل يدعون أنه يجب علينا اتباع النبي عليه الصلاة والسلام في أفعاله التي ليست بسهو ولا طبع ولا مختصة به للدلائل الدالة على ذلك وعظم المقصود لا يقتضى اتحاد الدال عليه. بل تعدده لشدة الاهتمام به وكثرة الاحتياج إليه ولهذا كثرت الألفاظ المترادفة فيما لهم به اهتمام.

وأما الثالث: وهو إبطال احتجاجهم على الفرع فلأن كون فعله موجبًا مستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام "صلوا كما رأيتمونى أصلى" وهو صيغة الأمر لا من نفس الفعل وإلا لما احتيج لهذا الأمر بعد قوله تعالى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (١).

والأقرب أن يقال: وجوب الاتباع في الصلاة ثبت بهذا الحديث لا بالفعل فالموجب هو القول لا غير. (٢)

[٢ - الكمال بن الهمام]

قال: (٣) إن لفظ الأمر حقيقة في القول المخصوص اتفاقًا ثم قيل مجاز في الفعل وقيل مشترك لفظى فيهما وقيل مشترك معنوى وقيل موضوع للفعل الأعم من اللسانى وقيل موضوع لأحدهما الدائر بين القول الخاص والفعل.

وبعد أن ذكر تعريف ابن الحاجب للأمر النفسى وناقشه قال: (٤)

الأليق بالأصولى تعريف الصيغى لأنه بحث علم الأصول عن الأدلة اللفظية السمعية من يوصل العلم بأحوالها العارضة لها من عموم وخصوص وغيرها إلى قدرة إثبات الأحكام الشرعية للمكلفين. وإن كان مرجع الأدلة السمعية إلى الكلام النفسى.

والأمر اللفظى اصطلاحًا صيغته المعلومة سواء كانت على سبيل الاستعلاء أو العلو أولًا.

وهو لغة الصيغة المعلومة في الطلب الجازم أو اسمها كصه ونزال مع استعلاء بخلاف فعل الأمر فإنه لا يشترط فيه الطلب الجازم ولا الاستعلاء فيصدق الأمر بالمعنى اللغوى مع العلو وعدمه. وعليه الأكثر وأهدر الاستعلاء والعلو -أبو الحسن الأشعرى وبه قال أكثر الشافعية- وأما المعتزلة فإنهم يعتبرون في مفهومه العلو إلا أبا الحسين منهم ووافقهم أبو إسحق الشيرازى وابن الصباغ والسمعانى من الشافعية ونقله القاضي عبد الوهاب في الملخص عن أهل اللغة وجمهور أهل


(١) آية ٩٢ سورة المائدة.
(٢) المصدر السابق جـ ٢ ص ٤٩.
(٣) التقرير والتحبير شرح العلامة أمير الحاج على تحرير الإمام الكمال بن الهمام الطبعة الأولى المطبعة الأميرية ببولاق جـ ١ ص ٢٩٧.
(٤) المصدر السابق جـ ١ من ٣٠٠.