للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذهب الشافعية]

يصح الأمان بكل لفظ يفيد مقصوده، صريح أو كناية. ومن الصريح: نحو أمنتك أو أجرتك أو أنت في أمانى. ومن الكناية نحو قوله: أنت على ما تحب، أو كن كيف شئت. كما يصح الأمان بكتابة ورسالة ولو كان الرسول كافرًا. ويشترط علم الكافر بالأمان بأن يبلغه فإن لم يبلغه فلا أمان؛ فلو بدر مسلم إلى الكافر فقتله قبل أن يبلغه الأمان جاز. وإذا علم الكافر بالأمان فإن رد بطل الأمان. وكذلك إن لم يقبله بأن سكت في الأصح. وفى الوجه الثاني: لا يبطل بالسكوت. وتكفى إشارة فهمه للقبول من قادر على النطق، وكذا في الإيجاب ما في هذه الاشارة ويصح بالعجمية أيضا. ولا يدخل في الأمان ماله وأهله بدار الحرب حِرما. أما ما معه من الأهل والمال فلا يدخل في الأمان في الأصح إلا بشرط، ومقابل الأصح يدخل ما معه من أهل ومال في الأمان بدون شرط ويصح للامام أن يعاقد المعلج - وهو الكافر الشديد الغليظ - على أن يدله على قلعة تفتح عنوة ليكون له منها جارية معينة كانت أو مبهمة، رقيقة كانت أو حرة لأنها تصير رقيقة بالأسر، والمبهمة يعينها الامام. فإن فتحت بدلالته وفيها الجارية أعطيت له إن كان في دلالته كلفة كما في الإجارة على المعتمد وإلا لم يجب، وإن فتحت صلحا أعطى بدلها. وإن فتحت بغير دلالته فلا شئ له في الأصح لأن القصد الدلالة الموصلة إلى الفتح. الوجه الثاني: يستحقها بالدلالة فإن لم تفتح فلا شئ له. وقيل: إن لم يعلق الجعل بالفتح فله أجر مثل دلالته فإن لم يكن فيها جارية أو ماتت قبل العقد أو سلمت ففى وجوب بدلها تفصيل (١).

[مذهب الحنابلة]

يصح الأمان بكل ما يدل عليه من قول وإشارة مفهومة حتى مع القدرة على النطق لقول عمر: "والله لو أن أحدكم أشار بإصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل بأمانه فقتله لقتلته به"، بخلاف البيع والطلاق، تغليبا لحقن الدماء مع أن الحاجة داعية للإشارة لأن الغالب فيهم عدم فهم كلام المسلمين. ويصح برسالة بأن يراسله بالأمان، وكتاب بأن يكتب له بالأمان، كالإِشارة وإذا قال لكافر: أنت آمن فقد أمّنه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: "من دخل دار أبى سفيان فهو آمن". وقال لكافر: لا بأس عليك فقد أمنه. لأن عمر لما قال للهرمزان: تكلم ولا بأس عليك ثم أراد قتله قال له أنس والزبير: لقد أمنته لا سبيل لك عليه، أو قال له أجرتك فقد أمنه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، ولو قال له: قف أو قم أو لا تخف أو لا تخشى أو لا خوف عليك أو لا تذهل أو ألق سلاحك، فقد أمنه لدلالة ذلك عليه ويقع الأمان إذا أمن بعضه أو يده لأنه لا يتبعض ويقع الأمان بالبدل قال أحمد: إذا اشتراه ليقلته فلا يقتله لأنه إذا اشتراه فقد أمنه فإن أشار إليهم المسلم بما أعتقده الحربيون أمانا، وقال: أردت به الأمان، فهو أمان لصحته بالإِشارة لما تقدم وإن قال: لم أرد به الأمان فالقول قوله لأنه أعلم بمراده. وإن خرج الكفار من حصنهم بناء على هذه الإِشارة لم يجز قتلهم ويردون إلى مأمنهم. قال أحمد: إذا أشير إليه بشئ غير الأمان فظنه أمانًا فهو أمان. وكل شئ يراه العلج (الكافر الغليظ الشديد) إنه أمان فهو أمان. وإن مات المسلم الذي وقعت منه هذه الإشارة المتحملة أو غاب ردوا إلى مأمنهم لأن الأصل عدم الأمان. وإذا قال لكافر: أنت آمن، فردّ الكافر الأمان انتقض


(١) القليوبى وعميرة جـ ٤ ص ٢٢٦ و ٢٧٧.