للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه ناظرًا يخلفه إن لم يقدر هو على الاستنابة، فإن قدر عليها كان أحق باختيار من يستنيبه منهم .. فإن خلع المأسور نفسه أو مات لم يصر المستناب إمامًا لأنها نيابة عن موجود فزالت بعقده أو بزوال صفته ..

وإن كان أهل البغى قد نصبوا لأنفسهم إمامًا وخلوا في بيعته وانقادوا لطاعته. فالإمام المأسور في أيديهم يعتبر خارجا من الإمامة باليأس من خلاصة لأنهم قد انحازوا بدار تفرد حكمها عن الجماعة وخرجوا بها عن الطاعة فلم يبق لأهل العدل بهم نصره ولا للمأمور معهم قدرة ..

وعلى أهل الاختيار في دار العدل أن يعقدوا الإمامة لمن ارتضوه لها .. فإن خلص المأسور بعد ذلك لم يعد إلى الإمامة لخروجه منها ..

وقال ابن حزم (١): "لا يضر الإمام أن يكون في خَلْقِه عيب كالأعمى والأصم والأجدع والأجذم والأحدب والذي لا يدان له ولا رجلان .. ومن بلغ الهرم ما دام يعقل ولو أنه ابن مائة عام ومن يعرض له الصرع ثم يفيق .. ومن بويع بالخلافة إثر بلوغه الحلم وهو مستوف لشروط الإمامة .. فكل هؤلاء إمامتهم جائزة إذ لم يمنع منها نص قرآنى ولا سنة ولا إجماع ولا نظر ولا دليل أصلًا .. بل قال تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} فمن قام بالقسط فقد أدى ما أمر به .. ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها ولا في أنها لا تجوز لمن لم يبلغ حاشا الروافض فإنهم أجازوا كلا الأمرين .. ولا خلاف بين أحد في أنها تجوز لامرأة ..

وظاهر من كلام ابن حزم وإطلاقه الحكم بجواز الإمامة مع ما ذكر أن العمى والصمم وفقد اليدين والرجلين لا يمنع من عقد الإمامة ابتداء ولا يمنع طروء ما ذكر على الإمام من استدامتها ..

وهو يخالف ما ذكره السعد التفتازانى والقاضى أبو الحسن الماوردى في ذلك إذ قال السعد: "ولا ينعزل الإمام بالإغماء ولا بالفسق على رأى الأكثرين من الفقهاء ويستحق العزل بالفسق بالاتفاق .. وينعزل بالجنون وبالعمى والصمم والخرص .. " وقال أبو الحسن الماوردى في فقد الحواس: "وأما ذهاب البصر فيمنع من عقد الإمامة واستدامتها فإذا طرأ بعد عقد الإمامة بطلت به لأنه لما أبطل ولاية القضاء ومنع من جواز الشهادة فأولى أن يمنع من صحة الإمامة ..

وقال في فقد الأعضاء: والقسم الثاني ما يمنع من عقد الإمامة ابتداء من استدامتها طرأ بعد عقدها وهو ما يمنع من العمل كذهاب اليدين. أو من النهوض كذهاب الرجلين .. فلا تصح معه الإمامة في عقد ابتداء ولا في استدامة بعد العقد لعجزه عما يلزمه من حقوق الأمة في العمل أو النهوض له.

[الخروج على الإمام]

المقرر شرعا أن طاعة الإمام واجبة شرعا على الأمة ما دام قائما على الحق مقيما للعدل مطبقا لأحكام الدين ومبادئ الشريعة لا يظلم ولا ينحرف .. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} وقد ذكرنا فيما مضى أن


(١) الملل والأهواء والنحل لابن حزم جـ ٤ ص ١٢٩.