المذهب الثاني: أنه لا يخرج من الإِمامة بعد عقدها وإن منع من العقد ابتداء لأن المعتبر في عقدها كمال السلامة وفى الخروج منها كمال النقص ..
القسم الرابع: ما لا يمنع من استدامة الإمامة واختلف في منعه من ابتداء عقدها وهو ما شان وقبح ولم يؤثر في عمل ولا في نهضة كجدع الأنف وسمل إحدى العينين .. فلا يخرج به من الإِمامة بعد عقدها لعدم تأثيره في شئ من حقوقها. وفى منعه من ابتداء عقدها مذهبان للفقهاء:
أحدهما: أنه لا يمنع من عقدها .. إذ ليس ذلك من الشروط المعتبرة فيها لعدم تأثيره في حقوقها ..
المذهب الثاني: أنه يمنع من عقد الإمامة وتكون السلامة منه شرطا معتبرا في عقدها ليسلم ولاة الملة من شين يعاب ونقص يزدرى .. فتقل به الهيبة وفى فلتها نفور عن الطاعة وما أدى إلى هذا فهو نقص في حقوق الأمة ..
وأما نقص التصرف فضربان: حجر وقهر ..
فأما الحجر: فهو أن يستولى عليه من أعوانه من يستبد بتنفيذ الأمور من غير تظاهر بمعصية ولا مجاهرة بمشاقة .. فلا يمنع ذلك من إمامته .. ولا يقدح في صحة ولايته .. ولكن ينظر في أفعال من استولى على أموره .. فإن كانت جارية على أحكام الدين ومقتضى العدل جاز إقراره عليها تنفيذا لها وإمضاء لأحكامها لئلا يقف من الأمور الدينية ما يعود بفساد على الأمة .. وإن كانت أفعاله خارجة عن حكم الدين ومقتضى العقل لم يجز إقراره عليها ولزمه أن يستنصر من يقبض يد هذا المستولى ويزيل تغلبه عليه ..
وأما القهر: فهو أن يصير مأسورا في يد عدو قاهر ولا يقدر على الخلاص منه فمنع ذلك من عقد الإمامة له ابتداء لعجزه عن النظر في أمور المسلمين .. وسواء كان العدو الذي أسره مشركا أو مسلمًا باغيا .. وللأمة أن تختار غيره من ذوى القدرة على تدبير أمور المسلمين .. وإن أسر بعد أن عقدت له الإمامة، فعلى كافة الأمة استنقاذه من الأسر لما أوجبته الإِمامة عليها. وهو على إمامته ما كان مرجو الخلاص مأمول الفكاك إما بقتال أو فداء .. فإن وقع اليأس من خلاصة لم يخل حال من أسره من أن يكونوا مشركين أو بغاة من المسلمين .. فإن كان في أسر المشركين خرج من الإمامة لليأس من خلاصه .. واستأنف أهل الاختيار بيعة غيره على الإِمامة .. فإن عهد بالإمامة في حال أسره إلى شخص نظر في عهده .. فإن كان بعد اليأس من خلاصه كان عهده باطلا لأنه عهد صادر بعد خروجه من الإِمامة بوقوع اليأس من خلاصه فلم يصح منه عهد ..
وإن كان قد عهد بالإمامة قبل اليأس من خلاصه في وقت فيه مرجو الخلاص صح عهده لبقاء إمامته حينئذ .. واستقرت إمامة ولى العهد وإن خلص قبل اليأس فهو على إمامته .. ويكون العهد في ولى العهد ثابتا وإن لم يصر إمامًا بالفعل لوجود الإمام الأصلى .. وإن كان مأسورا مع بغاة المسلمين فإن كان مرجو الخلاص فهو على إمامته .. وإن وقع اليأس من خلاصه لم يخل حال البغاة من أحد أمرين:
إما أن يكونوا نصبوا لأنفسهم إمامًا أولم ينصبوا .. فإن كانوا فوضى لا إمام لهم، فالإِمام المأسور في أيديهم على إمامته لأن البيعة له لازمة وطاعتهم له واجبة فصار معهم كمصيره مع أهل العدل إذا صار تحت الحجر ..