للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصموا آذنهم بالمد أى أعلمهم بالقتال لأن الله تعالى أمر أولا بالاصلاح ثم بالقتال فلا يجوز تقديم ما أخره الله تعالى.

هذا اذا علم أن فى عسكره قوة وقدرة عليهم.

أما اذا لم يعلم ذلك أخر اعلامهم بالقتال الى أن تمكنه القوة عليهم لأنه الاحتياط‍ فى ذلك كما نقله فى البحر عن النص.

وقتالهم حينئذ واجب لاجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم على ذلك بأحد خمسة امور - كما قاله الماوردى رحمه الله تعالى - أن يتعرضوا لحريم أهل العدل، أو يتعطل جهاد الكفار بهم أو يأخذوا من حقوق بيت المال ما ليس لهم، أو يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم، أو يتظاهروا على خلع الامام الذى قد انعقدت بيعته.

فلو انفردوا عن الجماعة ولم يمنعوا حقا ولا تعدوا الى ما ليس لهم جاز قتالهم لأجل تفريق الجماعة ولا يجب لتظاهرهم بالطاعة.

فان طلبوا الامهال من الامام اجتهد فيه وفى عدمه وفعل ما رآه صوابا منهما.

وان ظهر له أن استمهالهم للتأمل فى ازالة الشبهة أمهلهم ليتضح لهم الحق.

وان ظهر له أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم وانتظار مددهم لم يمهلهم.

وان سألوا ترك القتال ابدا لم يجبهم (١).

[مذهب الحنابلة]

جاء فى المغنى أن من خرج على من ثبت امامته باغيا وجب قتاله.

ولا يجوز قتالهم حتى يبعث اليهم من يسألهم ويكشف لهم الصواب الا أن يخاف كلبهم فلا يمكن ذلك فى حقهم.

فاما ان أمكن تعريفهم عرفهم ذلك وازال ما يذكرونه من المظالم وازال حججهم فان لجوا قاتلهم حينئذ لأن الله عز وجل بدأ بالأمر بالاصلاح قبل القتال فقال جل شأنه:

«وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ» (٢).

وروى أن عليا رضى الله تعالى عنه أرسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل، ثم أمر أصحابه أن لا يبدءوهم بالقتال، ثم قال: ان هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة، ثم سمعهم يقولون الله أكبر بالثارات عثمان فقال: اللهم اكب قتلة عثمان لوجوههم.

وروى عبد الله بن شداد بن الهادى رضى الله تعالى عنه أن عليا كرم الله وجهه لما اعتزلته الحرورية بعث اليهم عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف، فان أبوا الرجوع وعظهم وخوفهم القتال، وانما كان كذلك لأن المقصود كفهم ودفع شرهم لا قتلهم، فاذا أمكن بمجرد القول كان أولى من القتال لما


(١) مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ‍ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب ج ٤ ص ١١٩ فى كتاب على هامشه متن المنهاج لابى زكريا يحيى بن شرف النووى، طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة ١٣٠٨ هـ‍.
(٢) الآية رقم ٩ من سورة الحجرات.