للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما أجيز للمكلفين فعله وتركه بلا استحقاق ثواب ولا عقاب أو مأخذ فيه (١).

وفسر العينى الاباحة بأنها «الإطلاق فى مقابلة الحظر الذى هو المنع» (٢). وسلك مسلكه فى هذا كل من قاضى زاده (٣) وشيخ زاده، وقد ورد هذا التعبير أيضا فى عبارة صاحب الاختيار حيث قال (٤) وهو بصدد التعليل لتسمية صاحب القدورى مسائل باسم الحظر والإباحة: «هو صحيح لأن الحظر المنع، والإباحة الإطلاق» (٥).

فتفسير العيني ومن سلك مسلكه للإباحة لوحظ‍ فيه المعني اللغوى الذى هو الإطلاق سواء أكان من جانب الله أم من جانب العباد، فهو أعم من التعريف الأول للفقهاء الذى قصروا الإباحة فيه على تخيير الله لعباده.

وعلى التعريف الفقهى الثانى تكون الإباحة لمعنى الإذن وهو ما جرى عليه الشريف الجرجانى فى تعريفها حيث قال (٦):

«الإباحة الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل».

فالإباحة ليست إجراء تعاقديا، فلا يشترط‍ فيها أن يكون المأذون له معينا معلوما للإذن وقت الإذن لا بشخصه ولا باسمه، فمن يضع الجوابى والأباريق على قارعة الطريق مملوءة بالماء فانه يبيح بذلك لكل من يمر أن يشرب منها دون تعيين للمأذون له لا بالاسم ولا بالوصف.

وكذلك فان الإباحة جائزة، كما يقول أبن حزم الظاهرى (٧) فى المجهول، وذلك كطعام يدعى إليه قوم يباح لهم أكله ولا يدرى كم يأكل كل منهم.

وقال: أن هذا منصوص من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد قال: «من شاء أن يقتطع إذا نحر الهدى، كما أمر المرسل بالهدى إذا عطب أن ينحره ويخلى بينه وبين الناس».

صيغ الإباحة:

بتتبع ألفاظ‍ القرآن لم نجد كلمة الإباحة ولا شيئا مما تصرف منها بفعل أو مشتق، وإنما يوجد فى أساليب القرآن، كما يوجد فى السنة النبوية الكريمة ما يدل عليها، ولا سبيل إلى حملها على غير الإباحة، على ما تفيده عبارات المفسرين وإفهام الفقهاء ومن ذلك نفى كل الحرج ونفى الجناح والإثم والمؤاخذة والحنث والسبيل والبأس وكثيرا ما استعمل الفقهاء كلمة لا بأس بمعنى الإباحة فى كتب الفقه، ومن ذلك قول صاحب الاختيار (٨): ولا بأس بتوسه


(١) راجع:
للميدانى اللباب شرح الكتاب المطبعة الأزهرية سنة ١٩٢٧ م ص ٣٨٤ ولأبى بكر اليمنى:
الجوهرة النيرة طبع الاستانة سنة ١٣٠٤ هـ‍ ج‍ ٢ ص ٣٨٢. وللحصكفى: الدر المختار ج‍ ٣ ص ٦٠٩ المطبعة المليحية بمصر. ولعبد الله بن مودود: الاختبار ج‍ ٣ ص ١٢٧ مطبعة الحلبى سنة ١٣٥٥ هـ‍.
(٢) رمز الحقائق ج‍ ٢ ص ٢٦٥.
(٣) راجع القاضى زاده: نتائج الأفكار تكملة فتح القدير على الهداية ج‍ ٨ ص ٧٩ المطبعة التجارية، ولشيخ زاده مجمع الأنهر طبع الآستانة ج‍ ٢ ص ٥٢٣.
(٤) الاختبار ج‍ ٣ ص ١٠٨.
(٥) والواقع أن هذا لا يعتبر تعريفا منه للإباحة بناء على تعريفه السابق الذى نقل عنة فى الكتب ولا سيما أنه عبر عنه فى ص ١٢٧ بما يفيد أن المباح هو الذى لا أجر فيه ولا وزر، فقولة الحظر المنع إذن يكون مجرد تفسير لغوى لبيان المناسبة.
(٦) التعريفات الجرجانية ص ٢ المطبعة الخيرية الطبعة الأولى.
(٧) المحلى ج‍ ٩ ص ١٦٣ مطبعة الامام سنة ١٩٦٤ م
(٨) الاختيار شرح المختار ج‍ ٣ ص ٢٢٢.