للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحرير وافتراشه، ولا بأس بلبس ما سداه إبريسم ولحمته قطن أو خز، ومثله فى درر المنتقى (١).

وهناك أساليب يترجح فيها معنى الإباحة ومنها إثبات الحل، فانه وإن كان صالحا للاستعمال فى الإباحة وغيرها مما ليس بحرام، فإن السياق والقرينة هما اللذان يحددان الغرض، ولذلك قال الفقهاء فى الحديث الذى رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمر عن الرسول: «إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق»: أن الطلاق مباح.

ومن الأساليب التى يترجح فيها معنى الإباحة نفى التحريم مثل قوله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ} (٢)». ونفى النهى مثل قوله تعالى: «لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} (٣)». والاستثناء من التحريم الصريح مثل قوله تعالى: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» (٤).

والاستثناء الضمنى من التحريم الصريح كما فى قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ» إلى قوله: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (٥).

فقد صرح القرطبى المالكى (٦) باعتبار هذا الأسلوب إباحة حيث قال: فاشترط‍ فى إباحة الميتة للضرورة ألا يكون باغيا.

ومن الألفاظ‍ التى يستفاد منها الإباحة صيغة الأمر، وقد نقل الآمدى (٧) عن بعض الأصوليين أن صيغة الأمر وضعت حقيقة لإفادة الإباحة، وأنها تفيد غيرها بطريق المجاز، وتحتاج فى إفادتها غير الإباحة إلى قرينة.

ومنهم من قال أنها حقيقة فى الطلب مجاز فيما سواه ودلالة صيغة الأمر على الإباحة تعتبر مجازية عند من يقول أن الأمر موضوع للندب وهو أبو هاشم الجبائى والمعتزلة ورواية عن الشافعى.

وكذلك تعتبر مجازيه على رأى الماتريدى وأتباعه الذين يقولون أن صيغة الأمر موضوعة فى الأصل للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب، فإنها تفيد الاباحة بطريق المجاز، ويحتاج فى افادة ذلك الى قرينة. وكذلك بالنسبة للقائلين بأن صيغة الأمر مشتركة بين كل من الوجوب والندب، أى موضوعة لكل على حدة، فإنها تكون مجازا أيضا فى استعمالها للإباحة.

وحتى عند القائلين بأن صيغة الأمر مشتركة فى إفادة الوجوب والندب والإباحة حقيقة والقائلين بأنها مشتركة فى إفادة ذلك وفى إفادة التهديد أيضا فإن استعمالها فى الإباحة وإن كان حقيقيا عندهم إلا أنه يحتاج إلى قرينة باعتباره مشتركا، إذ المشترك لا يستعمل إلا بقرينة دفعا للبس، وبذا يكون لا بد من القرينة فى استعمال


(١) درر المنتقى ج‍ ٢ ص ٥٢٥ مطبوع بهامش مجمع الأنهر طبع الآستانة.
(٢) سورة الأعراف: ٣٢.
(٣) سورة الممتحنة: ٨.
(٤) سورة الأنعام: ١١٩.
(٥) المائدة: ٣.
(٦) القرطبى ج‍ ٢ ص ٢١٦ طبع دار الكتب الطبعة الأولى.
(٧) الأحكام فى أصول الاحكام ص ٢٠٨.