للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم تقدم الخلاف فى عصر سابق]

قال الآمدى: إذا اختلف أهل عصر من الأعصار فى مسألة من المسائل على قولين، واستقر خلافهم فى ذلك، ولم يوجد له نكير، فهل يتصور انعقاد إجماع من بعدهم على أحد القولين بحيث يمتنع على المجتهد المصير إلى القول الآخر أم لا؟

ذهب أبو بكر الصيرفى من أصحاب الشافعى وأحمد بن حنبل وأبو الحسن الأشعرى وإمام الحرمين والغزالى وجماعة من الأصوليين إلى امتناعه.

وذهب المعتزلة وكثير من أصحاب الشافعى وأبى حنيفة إلى جوازه، والأول هو المختار (١).

وقد فهم من كلامه: أن أكثر الحنفية يقولون بجوازه، وهذا هو ما ذكر فى مسلم الثبوت وشرحه وقررا أنه حجة بدليل إجماع التابعين على متعة الحج بعد خلاف الصحابة فيها، وغير ذلك (٢).

وأن كثيرا من أصحاب الشافعى كذلك، وهذا ما ذكره الإسنوى فى شرحه على المنهاج وأيده بمثل ما أيده به القائلون بذلك من الحنفية وغيرهم، وأن بعض الشافعية يقول بالامتناع وقد بين الإسنوى ذلك أيضا (٣).

ونضيف إلى ذلك أن المالكية أيضا لهم للولان كذلك، والصحيح منهما أنه لا يمتنع (٤) وكذلك الحنابلة (٥).

وكذلك للزيدية قولان: أصحهما أنه جائز وأنه، أى الاجماع الثانى، اجماع يجب اتباعه (٦).

والإباضية يقولون بالامتناع (٧).

كما يرى ذلك أيضا ابن حزم الظاهرى (٨) وحجة القائلين بالامتناع: أن الأمة إذا اختلفت على القولين واستقر الخلاف فى ذلك بعد تمام النظر والاجتهاد، فقد انعقد إجماعهم على تسويغ الأخذ بكل واحد من القولين، وهم معصومون من الخطأ فيما أجمعوا عليه، فلو أجمع من بعدهم على أحد القولين على وجه يمتنع معه على المجتهد المصير إلى القول الآخر، مع أن الأمة مجمعة فى العصر الأول على جواز الأخذ به، ففيه تخطئة أهل العصر الأول فيما ذهبوا إليه، ولا يمكن أن يكون الحق فى جواز الأخذ بذلك القول والمنع من الأخذ به معا، فلا بد وأن يكون أحد الأمرين خطأ، أو يلزمه تخطئة أحد الإجماعين القاطعين وهو محال، فثبت أن إجماع التابعين على أحد قولى أهل العصر الأول يفضى إلى أمر ممتنع فكان ممتنعا لكن ليس هذا الامتناع عقليا، بل سمعيا (٩)، أما حجة القائلين بالجواز فهى وقوع ذلك


(١) الأحكام للآمدى ج‍ ١ ص ٣٩٤.
(٢) مسلم الثبوت وشرحه ج‍ ٢ ص ٢٢٦، ص ٢٢٧.
(٣) شرح الإسنوى ج‍ ٣ ص ٩٠٠، ٩٠١.
(٤) الذخيرة ج‍ ١ ص ١٠٩.
(٥) روضة الناظر ج‍ ١ ص ٣٧٦.
(٦) هداية العقول ج‍ ١ ص ٥٨٦، ٥٨٧.
(٧) طلعة الشمس ص ٨٣.
(٨) الأحكام لابن حزم ج‍ ٤ ص ١٥٥، ١٥٦.
(٩) الأحكام للآمدى ج‍ ١ ص ٣٩٥.