للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإلا لزم بطلان الإجماع الأول، أو تعارض الإجماعين وكلاهما باطل (١)، ومثل ذلك عند الإباضية (٢)، ويرى أبو عبد الله البصرى والإمام الرازى أنه يجوز الإجماع على خلاف إجماع سبق، لأنه يتصور أن يكون الإجماع الأول حجة إلى غاية هى حصول إجماع آخر (٣).

ولما كان الإجماع عند الحنفية على مراتب قرر بعضهم أن النسخ فيه جائز بمثله، وبذلك يقول الشيخ فخر الإسلام البزدوى دون تفريق بين ما إذا كان المجمعون على الرأى الثانى هم نفس المجمعين على الرأى الأول المخالف أو غيرهم وهذا نص كلامه، والنسخ فى ذلك جائز بمثله، أى فى الإجماع، حتى إذا ثبت حكم بإجماع عصر يجوز أن يجتمع أولئك على خلافه فينسخ به الأول ويستوى فى ذلك أن يكون فى عصرين أو عصر واحد (٤).

وقال شارحه عبد العزيز البخارى فى هذا الموضع مفسرا له ومعقبا عليه: والنسخ فى ذلك أى فى الإجماع جائز بمثله حتى جاز نسخ الإجماع القطعى بالقطعى، ولا يجوز بالظنى.

وجاز نسخ الظنى بالظنى والقطعى جميعا، فلو أجمعت الصحابة على حكم ثم أجمعوا على خلافه بعد مدة يجوز ويكون الثانى ناسخا للأول لكونه مثله، ولو أجمع القرن الثانى على خلافهم لا يجوز لأنه لا يصلح ناسخا للأول لكونه دونه، ولو أجمع القرن الثانى على حكم ثم أجمعوا بأنفسهم أو من بعدهم على خلافه جاز، لأنه مثل الأول فيصلح ناسخا له.

وإنما جاز نسخ الإجماع بمثله، لأنه يجوز أن تنتهى مدة حكم ثبت بالإجماع، ويظهر ذلك بتوفيق الله تعالى أهل الاجتهاد على إجماعهم على خلاف الإجماع الأول، كما إذا ورد نص بخلاف النص الأول ظهر به أن مدة ذلك الحكم قد انتهت، هذا مختار الشيخ.

فأما جمهور الأصوليين فقد أنكروا جواز كون الإجماع ناسخا أو منسوخا (٥)، وحكى أبو الحسن السهيلى فى آداب الجدل له فى هذه المسألة: أنه إذا أجمعت الصحابة على قول ثم أجمع التابعون على قول آخر فعن الشافعى جوابان:

أحدهما، وهو الأصح: أنه لا يجوز وقوع مثله، أى لا يمكن، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمته لا تجتمع على ضلالة.

والثانى: لو صح وقوعه فإنه يجب على التابعين الرجوع إلى قول الصحابة (٦).

وعلى كلا الجوابين يكون الشافعى رحمه الله تعالى ممن يقولون بعدم الاعتداد بإجماع أهل عصر على خلاف إجماع أهل عصر سبقه.


(١) شرح الكافل لابن لقمان الزيدى ص ٧٥.
(٢) طلعة الشمس ج‍ ٢ ص ٨٥.
(٣) إرشاد الفحول ص ٨١.
(٤) كشف الأسرار للبزدوى ج‍ ٣ ص ٩٨٢.
(٥) شرح الكشف لعبد العزيز البخارى فى الموضع السابق ذكره.
(٦) إرشاد الفحول ص ٨١.