للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحرّج (١) النساء على كتمان ما في الأرحام كما حرج الشهود على كتمان الشهادة، فقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (٢) ثم يجب قبول شهادة قول الشهود فوجب قبول قول النساء، ولأن ذلك لا يعلم إلّا من جهتها فوجب قبول قولها فيه، كما يجب على التابعى قبول ما يخبره به الصحابي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين لم يكن له سبيل إلى معرفته إلّا من جهته، وإن ادعت المرأة انقضاء العدة بالشهور وأنكر الزوج فالقول قوله؛ لأن ذلك اختلاف في وقت الطلاق فكان القول فيه قوله (٣).

[مذهب الحنابلة]

أولًا: إنكار الطلاق

جاء في (كشاف القناع): أنه إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكر فالقول قوله؛ لأن الأصل بقاء النكاح، أو ادعت وجود صفة عَلَّق طلاقها عليها بأن قال: إن قام زيد أو إن لم يقم يوم كذا فأنت طالق، وادعت أن الصفة وجدت فطلقت وأنكرها فالقول قوله؛ لأن الأصل بقاء النكاح إلّا إذا علق طلاقها على حيضها فادعته فالقول قولها، أو علقه على ولادتها فادعتها فالقول قولها أيضًا إن كان أقر بالحمل عند القاضي وأصحابه، فإن كان لها بينة بما ادعت من طلاق لها أو وجود ما علق طلاقها عليه قبلت بينتها وعمل بها، ولا يقبل في الطلاق إلا رجلان عدلان كالنكاح مما يطلع عليه الرجال غالبًا، وليس مالا، ولا يقصد به مال، وإن اتفقا على أنه طلقها واختلفا في عدد الطلاق، فإن قالت: طلقتنى ثلاثًا. فقال: بل واحدة، فالقول قوله؛ لأنه منكر للزائد، فإن طلقها ثلاثًا وسمعت ذلك أو ثبت عندها بقول عدلين أنه طلقها ثلاثًا لم يحل لها تمكينه من نفسها؛ لأنها حرمت عليه حتى تنكح زوجًا غيره، ثم يعقد هو عليها، ويجب عليها أن تفر منه ما استطاعت وأن تفتدى منه إن قدرت، ولا تتزين له، وتهرب منه ولا تقيم معه، وتختفى في بلدها ولا تخرج منها - أي من بلدها - ولا تتزوج غيره حتى يظهر طلاقها؛ لئلا يتسلط عليها شخصان: أحدهما يظهر النكاح، والآخر يبطنه، ولا تقتله قصدًا بل تدفعه بالأسهل فالأسهل كالصائل، فإن قصدت الدفع عن نفسها فآل إلى نفسه. فلا إثم عليها، ولا ضمان في الباطن عليها؛ لأنها فعلت ما هي مأمورة به، فأما في الظاهر فإنها تؤاخذ بحكم القتل؛ لأن قولها غير مقبول في وقوع الثلاث عليه لتدفعه عن نفسها ما لم يثبت صدقها بشهادة عدلين فينتفى وجوب القتل في الظاهر أيضًا (٤).

ثانيا: إنكار الخُلع:

جاء في (كشاف القناع): إذا قال الرجل للمرأة: خالعتك بألف فأنكرته؛ أو قالت: إنما خالعت غيرى بانت منه؛ لأنه مقر بما يوجب بينونتها، والقول قولها مع يمينها في نفى العوض؛ لأنها منكرة، والأصل براءتها، وإن قالت: نعم خالعتنى بألف لكن ضمنه غيرى لزمها الألف؛ لأنها مقرة بالخلع مدعية على الغير ضمان العوض، فلزمها العوض لإقرارها، ولا تسمع


(١) حرج: أثَّم (لسان العرب، مادة: حرج).
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٨٣.
(٣) المهذب: ٢/ ١٥٢.
(٤) كشاف القناع: ٣/ ٢٠٧.