للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يدل على وجوب الأداء بمجردة على الأمة.

وربما ظن ظان أنه يدل على الوجوب وليس الأمر كذلك، لكن دل الشرع على أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - واجب الطاعة وأنهم لو كاتوا مأذونين في المنع لكان ذلك تحقيرا للنبى - صلى الله عليه وسلم - وتنفيرًا للأمة عنه. وذلك يغض من قدره، ويشوش مقصود الشرع وإلا فلا يستحيل أن يقال للزوج الشافعي إذا قال لزوجته أنت بائن على نية الطلاق راجعها وطالبها بالوطء، ويقال للحنفية التي ترى أنها بائنة يجب عليك المنع، ويقال للولى الذي يرى أن لطفله على طفل غيره شيئا: طلبه، ويقال للمدعى عليه إذا عرف أنه لا شئ على طفله: لا تعطه ومانعه ويقول السيد لأحد العبدين: أوجبت عليك أن تأمر العبد الآخر ويقول للآخر أوجبت عليك العصيان له. وبهذا تعرف أن قوله عليه الصلاة والسلام: "مروهم بالصلاة لسبع" ليس خطابا من الشرع مع الصبى ولا إيجايا علي مع أن الأمر واجب على الولى.

فإن قيل: فلو قال للنبى أوجبت عليك أن توجب على الأمة، وقال للأمة أوجبت عليكم خلافه.

قلنا: ذلك يدل على أن الواجب على النبي أن يقول أوجبت لا على حقيقة الإيجاب، فإن أراد حقيقة الإيجاب فهو متناقض بخلاف قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (١) فإن ذلك لا يناقضه أمرهم بالمنع.

فإن قيل: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والتسلم لا يتم إلا بالتسليم.

قلنا: لا يجب التسلم بل يجب الطلب فقط ثم إن وجب التسلم فذلك يتم التسليم المحرم وإنما يناقض التسليم انتفاء التسليم في نفسه لانتفاء علته وحكمه.

وبالجملة كما أن من أمر زيدا بضرب عمرو فلا يطلب من عمرو شيئا فكذلك إذا أمره بأمر عمدا فلا يطلب من عمرو شيئا.

[٢ - الآمدى]

سار الآمدى على منهج الغزالى في هذه المسألة وضمن كلامه بعض الإضافات. فقد صور الاستدلال بقوله (٢) "إنه لو كان أمرا لذلك الغير لكان ذلك مقتضاء لغة"، ولو كان كذلك لكان أمره - صلى الله عليه وسلم - لأولياء الصبيان بقوله "مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع" أمرا للصبيان بالصلاة من الشارع وليس كذلك لوجهين.

الأول أن الأمر الموجه نحو الأولياء أمر تكليف ولذلك يدم الولى بتركه شرعا فلو كان ذلك أيضا أمرا للصبيان لكانوا مكلفين بأمر الشارع فيلحقهم الذم بالمخالفة وهو غير متصور في حقهم لعدم فهمهم لخطاب الشارع بدليل الحديث "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبى حتى يبلغ" وأضاف أنه يمكن رد ذلك بأن يقال الأمر للولى والصبى وإن كان واحدا غير أن نسبته إليهما مختلفة فلا يمتنع اختلافهما في الذم بسبب ذلك.

"الثاني: أنه لو كان أمرا للصبى لم يخل إما أن يكون أهلا لفهم الخطاب أولا. فإن كان الأول فلا حاجة لأمر الولى له إلا أن يكون أحد الأمرين تأكيدا. وهو خلاف الأصل. وإن لم يكن أهلا فأمره وخطابه ممتنع بالإجماع.


(١) آية ١٠٣ سورة التوبة.
(٢) الإحكام للآمدى جـ ٢ ص ٢٦٧.