للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الغرور. هذا قول أصحاب الشافعي رضى الله تعالى عنهم، وقالوا أيضا إذا كان ذا حاجة، وله في القضاء رزق فالأولى له الاشتغال به فيكون أولى من سائر المكاسب لأن قربة وطاعة.

والثالث: من يجب عليه وهو من يصلح للقضاء ولا يوجد سواه فهذا يتعين عليه لأنه فرض كفاية لا يقدر على القيام به غيره فيتعين عليه كغسل الميت وتكفينه، وقد نقل عن أحمد رضى الله تعالى عنه ما يدل على أنه لا يتعين عليه فإنه سئل هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره؟ قال لا يأثم فهذا يحتمل أن يحمل على ظاهره في أنه لا يجب عليه لما فيه من الخطر فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره، ولذلك امتنع أبو قلابة رضى الله تعالى عنه منه، وقد قيل له ليس ههنا غيرك، ويحتمل أن يحمل على من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره فإن أحمد رضى الله تعالى عنه قال لابد للناس من حاكم، أتذهب حقوق الناس (١)؟ وإن وجد غيره كره له طلبه بغير خلاف في المذهب لأن أنسا رضى الله تعالى عنه روى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ابتغى القضاء وسأل فيه الشفعاء وكل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عز وجل ملكا يسدده". قال الترمذى حديث حسن غريب، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن سمرة: يا عبد الرحمن لا تسأل الإِمارة فإنك إن أعطيتها عن مسئلة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غمر مسئلة أعنت عليها" وإن طلب فالأفضل أن لا يجيب في ظاهر كلام أحمد رضى الله تعالى عنه، وقال ابن حامد رضى الله تعالى عنه: الأفضل الإجابة إذا أمن نفسه، وقد ذكرنا أن ظاهر كلام أحمد رضى الله تعالى عنه أن الأفضل والأولى له أن لا يجيب إذا طلب ووجد غيره لما فيه من الخطر والغرور، ولما في تركه من السلامة، ولما ورد فيه من التشديد والذم، ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقى لذلك، وقد أراد عثمان تولية ابن عمر رضى الله تعالى عنهم القضاء فأباه على ما سبق فكره (٢).

[مذهب الزيدية]

جاء في البحر الزخار أن القضاء فرض كفاية كالجهاد، ويتعين على من لا يغنى عنه غيره كالأمر بالمعروف، وهو أفضل من الجهاد، إذ هو لحفظ الموجود، والجهاد لطلب الزيادة وعليه ما روى عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا حسد إلا في اثنين: رجل أتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق" (٣) ونحوه، وندب أن يقول المدعو: سمعا وطاعة، ويحرم على مختل شرط لما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين" (٤) وإذا كثر الصالحون له فكفاية، فإن امتنعوا أثموا لما روى عن ابن


(١) الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر بن أحمد بن قدامة المقدسى جـ ١١ ص ٣٧٥، ص ٣٧٦ في كتاب أعلاه المغنى للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٤٨ هـ.
(٢) المرجع السابق جـ ١١ ص ٣٧٧ نفس الطبعة.
(٣) رواه البخارى وسلم.
(٤) أخرجه أبو داود وللترمذى نحوه.