للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (١) فاقترن التحذير من الفتنة والوعيد بكل من خالف عن آمره - صلى الله عليه وسلم -.

ثم قال: وإن ما خرج من الأوامر عن استحقاق العذاب المنصوص في الآية على تركه بخروجه إلى معنى الندب إنما هو مستثنى من جملة ما جاءت الآية به بمنزلة المنسوخ الخارج عن الوجوب فلا يبطل ذلك بقاء سائر الشريعة على الاستعمال. وكذلك خروج ما خرج بدليله إلى الندب ليس بمبطل بقاء ما لا دليل على أنه ندب على استحقاق العذاب على تركه إلا أن الوعيد قد حصل مقرونًا بالأوامر كلها إلا ما جاء إجماع متيقن أو نص منقول إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا وعيد عليه لأنه غير واجب ولا يسقط شئ من كلام الله تعالى إلا ما أسقطه وحى له تعالى آخر فقط. (٢)

ثم أورد من الأدلة قول النبي عليه السلام: "كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: "من أطاعنى دخل الجنة ومن عصانى فقد أبى".

ثم قال: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} (٣) ولا عصيان أعظم من أن يقول الله ورسوله افعل كذا فيقول المأمور: لا أفعل إلا إن شئت أن أفعل ومباح لى أن أترك ما أترك ما أمرتمانى به.

واستدل أيضًا بحديث: "إن الله فرض عليكم الحج" فقال رجل: أفى كل عام يا رسول الله؟ وكرر ذلك فقال عليه السلام: "لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها فإذا أمرتكم بالشئ فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه" فبين عليه السلام أن كل ما أمر به فهو واجب ولو لم يقدر عليه. وأطال في بيان ذلك ثم قال: (٤)

وليس يقابل الأمر الوارد إلا بأحد ثلاثة أوجه لا رابع لها نعلم ذلك بضرورة الطبيعة وبيديهة العقل: إما الوجوب وهو قولنا. وإما الندب والتخيير في فعل أو ترك وقد أبطل الله عز وجل هذا الوجه في قوله تعالى {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (٥).

وإما الترك وهو المعصية فأخبر تعالى أن من فعل ذلك فقد ضل ضلالًا مبينا. فارتفع الإشكال كله.

[٧ - الزيدية]

اختار الشوكانى ما ذهب إليه الجمهور من أن صيغة افعل وما في معناه حقيقة في الوجوب (٦) وأورد أدلتهم على نحو ما سبق للبيضاوى ومما أورد منها:

ما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله "لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" وكلمة لولا تفيد انتفاء الشئ لوجود غيره فهنا تفيد انتفاء الأمر لوجود المشقة فهذا يدل على أنه لم يوجد الأمر بالسواك عند كل صلاة والإجماع قائم على أنه مندوب فلو كان المندوب مأمورًا به لكان الأمر قائمًا عند كل صلاة فلما لم يوجد الأمر علمنا أن المندوب غير مأمور به.

وبما وقع في قصة بريرة لما رغبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى الرجوع إلى زوجها فقالت: أتأمرنى


(١) آية ٦٣ سورة النور.
(٢) المصدر السابق ص ١٥.
(٣) آية ٢٣ سورة الجن.
(٤) المصدر السابق ص ٢٢.
(٥) آية ٣٦ سورة الأحزاب.
(٦) إرشاد الفحول ص ٩٤.