للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك لأن التهمة لا تلحقه فيه، لأن صفات الشهود معنى ظاهر.

بل قال القاضى وجماعة: ليس هذا بحكم، لأنه يعدل هو ومجرح غيره، ويجرح هو ويعدل غيره، ولو كان حكما لم يكن لغيره نقضه. وفى الطرق الحكمية:

«الحكم بالاستفاضة ليس من حكمه بعلمه فيحكم بما استفاض وإن لم يشهد به أحد عنده».

[مذهب الظاهرية]

وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى المحلى (١): «وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه فى الدماء والقصاص والأموال والفروج والحدود، وسواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم «أن يكون» بعلمه لأنه يقين الحق ثم بالإقرار ثم بالبينة».

[مذهب الزيدية]

وفى مذهب الزيدية، جاء فى شرح الأزهار وهامشه (٢): وله القضاء بما علم إلا فى حد غير القذف فلا يجوز له أن يحكم فيه بعلمه لقوله تعالى: «لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ} (٣)»، ومن حكم بعلمه فقد حكم بما أراه الله وعلم القاضى أبلغ من الشهادة، ولقول أبى بكر: لو رأيت رجلا على حد لم أحده حتى تقوم به البينة عندى.

فأما فى حد القذف والقصاص والأموال فيحكم فيها بعلمه سواء علم ذلك قبل قضائه أو بعده لتعلق حق الآدمى بحد القذف، وفى السرقة يقضى بعلمه لأجل المال لا لأجل الحد.

وفى البحر الزخار (٤): وله القضاء بما علم فى حق الآدمى وإن لم تقم بينة لعموم قوله تعالى: «فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ‍»، ولإذنه صلى الله عليه وسلم لهند أن تأخذ الكفاية من مال زوجها وإن كره، وذلك قضاء بالعلم، ولأن الشهادة إنما تثمر الظن فالعمل بالعلم أولى، ولا يقضى بعلمه فى حد غير القذف لخبر أبى بكر ولندب ستره، وجاز فى حد القذف لتعلق حق الآدمى به.

[مذهب الإمامية]

وفى مذهب الإمامية: أجازوا للإمام أن يحكم بعلمه مطلقا، واختلفوا فى غيره من الحكام، فقيل يجوز له أن يحكم بعلمه مطلقا وهو الأشهر، وقيل يجوز ذلك فى حقوق العباد دون حقوق الله، وقيل بالعكس.

وفى كفاية الأحكام من باب القضاء:

الإمام يحكم بعلمه مطلقا، والأشهر فى غيره جواز الحكم بالعلم مطلقا، وقال ابن إدريس: يجوز حكمه فى حقوق الناس دون حقوق الله. ونقل فى المسالك عن ابن الجنيد عكس ذلك.


(١) ج‍ ٩ ص ٤٢٦.
(٢) ج‍ ٤ ص ٣٢٠.
(٣) آية ١٠٥ سورة النساء.
(٤) ج‍ ٥ ص ١٣٠ وما بعدها.