للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقى الكلام: هل فى ذلك العمد دية يتخير المجنى عليه فيها أو فى القصاص أم لا؟ وهل فى الخطأ فى ذلك دية مؤقتة (أى معينة من الشارع مبينة) أم لا؟

قال على (يعني نفسه): فنظرنا فى هذا فوجدنا الله تعالى يقول: «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ، وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (١)».

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». وقال الله تعالى: «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ} (٢)».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام» فصح بكل ما ذكرنا أن الخطأ كله معفو عنه لا جناح على الإنسان فيه، وإنما الأموال محرمة، فصح من هذا ألا يوجب على أحد حكم فى جنايه خطأ، ألا أن يوجب ذلك نص صحيح أو إجماع متيقن وإلا فالأموال محرمة والغرامة ساقطة لما ذكرنا.

[الحكم فى الآمة تقع على العبد]

الحنفية (٣): إذا جنى أحد على العبد آمة ففى المذهب قولان: أحدهما وهو الصحيح وظاهر الرواية أن أرشها ثلث قيمة العبد بالغة ما بلغت.

الثانى: وهو الذى فى عامة الكتب وجزم به فى الملتقى أن الأرش هو ثلث القيمة غير أنه لا يزاد على ما يجب للحر من الدية بل يجب أن ينقص ثلثه عن ثلث دية الحر بثلاثة دراهم وثلث درهم، وذلك أخذا بأثر ابن مسعود الذى يقرر أنه «لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم» وهذا كالمروى عن النبى صلى الله عليه وسلم لأن المقادير لا تعرف بالقياس، وإنما طريق معرفتها السماع من صاحب الوحى.

ولما كان المقدر نقصه فيما يقابل بالدية الكاملة من قيمة العبد هو عشرة دراهم كان الذى ينقص من الثلث إذا بلغ ثلث الدية هو ثلاثة دراهم وثلث درهم.

وفى مذهب الحنابلة (٤): إذا كان الفائت بالجناية على العبد مؤقتا فى الحر ففيه عن أحمد روايتان إحداهما أن فيه ما نقصه بالغا ما بلغ، وذكر أبو الخطاب أن هذا هو اختيار الخلال.

والأخرى: وهى ظاهر المذهب أن فيه من القيمة بمقدار ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة تقع على العبد ثلث قيمته.

وفى مذهب الشافعية (٥): قولان كما فى مذهب الحنابلة، أرجحهما أن فى الجناية على العبد من القيمة ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة ثلث القيمة.

والقول الثانى: وهو القديم، ان فيها ما نقص من القيمة نظرا إلى انه مال.

اما المالكية والزيدية والإمامية والإباضية فيرون أن ما وجب فيه للحر ثلث الدية كالأمة فيه ثلث القيمة من العبد (٦).


(١) سورة الأحزاب: ٥.
(٢) سورة النساء: ٢٩.
(٣) الدر المختار ج‍ ٥ ص ٥٤٧ وحاشية ابن عابدين عليه.
(٤) المغني ج‍ ٩ ص ٦٦٧.
(٥) شرح المنهاج ج‍ ٤ ص ١٤٤.
(٦) المالكية أقرب المسالك ج‍ ٢ ص ٣٨٢. الزيدية الروض النضير ج‍ ٤ ص ٢٧٠. الإمامية المختصر النافع ص ٣١٧. الإباضية كتاب النيل ج‍ ٨ ص ٥٨.