للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للشافعى رضى الله تعالى عنه، ولا طلاق لولى المجنون أو خليفته ولا لولى المخالط‍ فى عقله أو خليفته، وكذا المعتوه. وقال بعض قومنا رحمهم الله تعالى يصح من أوليائهم وخلائفهم، واختلفوا أيضا فى يمين السكران، ولا يلزمه اقرار ولا عقد، ولا يلزم الطلاق مبرسما (١) خولط‍ فى عقله، وفى طلاق المغمى عليه قولان (٢).

بعض أحكام يختلف فيها الاغماء

عن كل من الجنون والعته والنوم والسكر

[مذهب الحنفية]

جاء فى كشف الأسرار أن القياس فى الجنون أن يكون مسقطا للعبادات كلها أى مانعا لوجوبها سواء كان الجنون أصليا أم عارضا، وسواء كان قليلا أو كثيرا، وهو قول زفر والشافعى رحمهما الله تعالى حتى قالا لو أفاق المجنون فى بعض شهر رمضان لم يجب عليه قضاء ما مضى كالصبى اذا بلغ أو الكافر اذا أسلم فى خلال الشهر، وكذا اذا أفاق قبل تمام يوم وليلة لم يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات عندهما وذلك لأن الجنون ينافى القدرة لأنها تحصل بقوة البدن والعقل.

والجنون يزيل العقل فلا يتصور فهم الخطاب والعلم به بدون العقل والقدرة على الأداء لا تتحقق بدون العلم لأن العلم أخص أوصاف القدرة فتفوت القدرة بفوته، وبفوت القدرة يفوت الأداء، واذا فات الأداء عدم الوجوب اذ لا فائدة فى الوجوب بدون الأداء وحاصله أن أهلية الأداء تفوت بزوال العقل، وبدون الأهلية لا يثبت الوجوب، فلا يجب القضاء.

والدليل على ذلك أن الصبى أحسن حالا من المجنون فانه ناقص العقل فى بعض أحواله عديم العقل فى بعض أحواله الى الاصابة، والمجنون عديم العقل لا الى الاصابة عادة، واذا كان الصغر يمنع الوجوب حتى لم يلزم الصبى قضاء ما مضى من الشهر اذا بلغ فى خلال الشهر فالجنون أولى به، وهذا بخلاف المغمى عليه حيث يجب عليه قضاء ما مضى من الصوم عند الافاقة وقضاء الصلوات اذا كان الاغماء أقل من يوم وليلة لأن أهليته قائمة لقيام العقل اذ الاغماء لا ينافى العقل بل هو عجز عن استعمال آلة القدرة كالنوم فكان العقل ثابتا كما كان كمن عجز عن استعمال السيف لم يؤثر ذلك فى السيف بالاعدام فكذلك الاغماء.

لكن علماءنا الثلاثة رحمهم الله تعالى استحسنوا فى الجنون اذا زال قبل الامتداد فجعلوه عفوا أى ساقطا كأن لم يكن والحقوه بالنوم والاغماء، وذلك أن الجنون من العوارض كالاغماء والنوم وقد الحق النوم والاغماء بالعدم فى حق كل عبادة لا يؤدى ايجابها الى الحرج على المكلف بعد زوالهما وجعل كأنهما لم يوجدا أصلا فى حق ايجاب القضاء وأن العبادة كانت واجبة ففاتت من غير عذر فيلحق الجنون الموصوف بكونه عارضا بهما بجامع أن كل واحد عذر عارض زال قبل الامتداد.

وكذا الحكم فى كل عذر عارض كالحيض والنفاس فى حق الصوم. هذا فى حق ايجاب القضاء فأما فى حق لحوق المآثم فالأمر مبنى على الحقيقة لورود النص المنبئ وأن الله تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها والا ما آتاها، الا ترى أن الشرع الحق العارض بالعدم فى حق صحة الأداء حتى أن من نوى من الليل الصوم ثم نام ولم ينتبه الا بعد غروب الشمس أو أغمى عليه أو جن ولم يفق الى ذلك الوقت حكم بجواز الصوم مع أنه عبادة خالصة والامساك ركن وهو فعل مقصود ولا بد فى مثله من التحصيل بالاختيار، وما به من العذر قد سلب اختياره لكن عند زوال العذر جعل هذا الفعل بمنزلة


(١) المبرسم بضم الميم وفتح الباء واسكان الراء وفتح السين من أصيب بعلة يهذى فيها، تسمى البرسام بكسر الباء وسكون الراء (انظر شرح النيل ج‍ ٣ ص ٦٢٣).
(٢) شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج‍ ٣ ص ٦٢٣ طبع محمد بن يوسف البارونى.