للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شهدت بالقبض لم يلتفت اليه لانه مكذب لها طاعن فيها فلا يتوجه بدعواه يمين. هذه فقولهم. وعبارة الروضة فى نفس موضوع الحديث. وهى واضحة فى أن فيه رأيين ..

وان الراجح هو سماع الدعوى.

[الرجوع عن الاقرار]

يقول الحنفية إن رجوع المقر عن إقراره بحقوق الله تعالى الخالصة كحد الزنا والشرب والسرقة بالنسبة للقطع. فيقبل ويبطل به الاقرار فلا يؤخذ به المقر مطلقا سواء رجع قبل القضاء بموجبه او بعد القضاء ولكن قبل الشروع فى الحد والتنفيذ بالفعل او بعد الشروع فيه ولكن قبل تمامه. فلا يحكم عليه بمقتضى الاقرار إن رجع قبل الحكم. ولا يقام عليه الحد ان كان رجوعه بعد الحكم وقبل إقامة الحد. ولا يتمم عليه الحد إن رجع بعد الشروع فيه وقبل إتمامه .. وذلك لاحتمال أن يكون صادقا فى انكاره ورجوعه فيكون كاذبا فى اقراره .. وذلك يورث شبهة فيه. والحد مما يدرأ بالشبهات .. ولانه يستحب للامام تلقين المقر الرجوع عن الاقرار كما لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا حين أقر بالزنا بقوله: لعلك قبلت أو لمست أو غمزت. وقوله لمن رفع اليه بتهمة السرقة وأقر بها - ما اخالك سرقت - ولو لم يكن الرجوع مبطلا للاقرار بما ذكر من الزنا واشباهه لم يكن لتلقينه معنى ولا فائدة.

وانما شرع التلقين احتيالا لدرء الحد لقول النبى صلّى الله عليه وسلّم: ادرؤا الحدود بالشبهات وقوله: ادرؤا الحدود ما استطعتم ..

الا أن الاقرار بالسرقة يصح الرجوع عنه بالنظر للقطع لكونه حق الله تعالى فلا يقطع اذا رجع ولا يصح الرجوع عنه بالنظر للمال المسروق لانه حق العبد فلا يسقط‍ عنه ضمانه .. هذا بالنظر لحقوق الله تعالى الخالصة. اما بالنظر لحقوق العباد الخالصة كالدراهم والدنانير فى القرض والمعاملات المالية من أثمان المبيعات وضمان المتلفات وأروش الجنايات ونحو ذلك وبالنظر لما يشتمل على الحقين كحد القذف - فلا يصح الرجوع عن الاقرار فى ذلك لان غاية ما يحدثه الرجوع عنه وجود شبهة فى ثبوتها .. وهذه الحقوق تثبت مع الشبهة ..

ومنها الاقرار بالقصاص لانه حق العبد المحض فلا يحتمل الرجوع (١) ومن صور الرجوع عن الاقرار. ما اذا اقر بشئ معين كالدابة المعينة او الألف المعينة لشخص مع ذكر سبب الضمان ثم يعود ويقر بها لشخص آخر مع ذكر السبب ايضا وذلك مثل ان يقول: هذه الدابة أو هذه الالف وديعة فلان. لا بل وديعة فلان .. فيكون المقر به وهو الدابة او الالف للمقر له الاول لانه اقر له بها .. وقوله بعد ذلك: لا بل وديعة فلان رجوع عما أقر به للأول فلا يقبل منه .. وبما أنه أقر بها للثانى ولكنه اتلفها عليه باقراره بها للاول.

فيجب عليه مثلها للثانى ان كانت مثلية ..

وقيمتها ان كانت قيمية.

ومن صوره ما اذا أقر لشخص واحد بمالين من جنسين مختلفين بان قال لفلان على درهم بل دينار. أو لفلان عندى أردب قمح بل أردب شعير لزمه فى الاول درهم ودينار وفى الثانى أردب القمح واردب الشعير جميعا.

لان الغلط‍ لا يقع فى الجنس المختلف عادة


(١) ابن عابدين ح‍ ٤ ص ٧١٩.