للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مذهب الأحناف:

يجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولى، بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا، والولى هو العصبة، فإن زوجها الأب أو الجد، أى الصغير أو الصغيرة، فلا خيار لهما بعد البلوع (١). وإذا اجتمع فى المجنونة أبوها وابنها فالولى فى أنكاحها أبنها فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله أبوها لأنه أوفر شفقة من الابن.

وهم (٢) لا يجيزون للولى إجبار البكر البالغة على النكاح.

مذهب الحنابلة (٣):

أحق الناس الذين لهم ولاية النكاح بنكاح المرأة الحرة أبوها، لأن الولد موهوب لأبيه، قال تعالى: «وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى} (٤)»، وقال على لسان إبراهيم الخليل:

«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ} (٥)»، وقال عليه الصلاة والسلام «أنت ومالك لأبيك» وإثبات ولاية للموهوب له على الهبة أولى من العكس، ولأن الأب أكمل شفقة وأتم نظراً، بخلاف الميراث، بدليل أنه يجوز أن يشترى لها من ماله وله من مالها.

وكذلك يذهب الحنابلة (٦):

إلى أن للأب خاصة تزويج بنيه الصغار وبنيه المجانين ولو كان بنوه المجانين بالغين، لأنهم لا قول لهم، فكان له ولاية تزويجهم كأولاده الصغار. وروى الأثرم أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا.

وحيث زوج الأب ابنه لصغره وجنونه فإنه يزوجه بحرة لئلا يسترق ولده ويزوجه غير معيبة عيبا يرد به النكاح. ويزوج ابنه الصغير أو المجنون بمهر المثل وغيره ولو كرها، لأن للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها، وهذا مثله، فإنه قد يرى المصلحة فى ذلك، فجاز له بذل المال فيه كمداواته بل هذا أولى، فإن الغالب أن المرأة لا ترضى أن تتزوج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول إلى النكاح بدون ذلك.

وليس لهم، أى للبنين الصغار والمجانين، إن زوجهم الأب خيار إذا بلغوا وعقلوا كما لو باع مالهم. وللأب تزويج بناته الأبكار ولو بعد البلوغ لحديث ابن عباس مرفوعا:

(الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها) رواه أبو داود.

فلما قسم النساء قسمين، وأثبت الحق لأحدهما، دل على نفيه عن الأخر وهى البكر فيكون وليها أحق منها بها، ودل الحديث على أن الاستئمار هنا والاستئذان فى حديثهم مستحب غير واجب.

وللأب أيضا تزويج ثيب لها تسع سنين بغير أذنها، لأنه لا أذن لها. وإذا زوج ابنه الصغير فبامرأة واحدة، وله تزويجه بأكثر إن رأى فيه مصلحه، وهذا ضعيف جدا، وليس فى ذلك مصلحة بل مفسدة.


(١) الهداية ج‍ ١ ص ١٥٥، ١٥٨.
(٢) المرجع السابق ج‍ ١ ص ١٥٤ وما بعدها.
(٣) كشاف القناع ج‍ ٣ ص ٢٨.
(٤) سورة الأنبياء: ٩٠.
(٥) سورة إبراهيم: ٤٠.
(٦) كشاف القناع ج‍ ٣ ص ٢٣.