للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصرح شارح المواقف السيد الجرجانى بأن الأمر في ذلك محل خلاف ..

وهذا مسلك لم نجده إلا في المواقف وشرحها .. فيحمل الخلاف على حالة اتساع الأقطار وعدم إمكان التدبير فيها من الواحد وقد تأثر بهذا الاجتهاد السيد صديق حسن خان أحمد علماء الهند .. فذهب في كتابه الروضة الندية إلى جواز تعدد الإمام في عصرنا الحاضر بناء على تحقيق ضرورة تقتضى هذا الجواز نظرًا لتعدد الأقطار الإسلامية وتباعد ما بين أطرافها وعدم قيام روابط أو صلات بينها تسهل على أهل كل قطر معرفة ما يجرى في القطر الآخر والأقطار الأخرى والوقوف على الأحوال ومجريات الأمور هناك ..

ذكر ذلك الأستاذ الشيخ محمد رضا في رسالته "الخلافة أو الإمامة العظمى" (١) ولكنه أبدى تردده في تحقيق الضرورة المقتضية لإجازة تعدد الخليفة الآن بعد أن ظهرت المخترعات الحديثة وانتشرت وسهلت طرق المواصلات السريعة في كل نواحى العالم، حتى ربطت أجزاءه ببعضها وصار يشعر من في أقصى الشرق أو الشمال بما يجرى في أقصى الغرب أو الجنوب بعد لحظات من وقوعه وأصبح من الممكن أن ينتقل الإنسان بين أطراف العالم في ساعات ..

وماذا عسى أن يكون الرأى إذا قال قائل: إن الخلافة قد عاشت واحدة قوية فياضة بالحياة يمتد ظلها الوارف على وطن إسلامى لا يقل في اتساع أرجائه ووفرة نشاطه عما عليه حال الأمم الإسلامية الآن .. ولم تكن المخترعات الحديثة والمواصلات السريعة قد ربطت بين أجزاء العالم كما هو الحال الآن .. ولكن هل الإسلام والمسلمون الآن كما كان الإسلام والمسلمون في العصر الذي يشار إليه؟!

إن وجه الخلافة يتغير بتغير الناس .. سأل رجل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه: ما بال الناس قد اختلفوا عليك ولم يختلفوا على أبى بكر وعمر .. فقال على: لأن أبا بكر وعمر كانا واليين على مثلى وأنا وال على مثلك ..

[هل يجوز للإمام أن ينيب عنه غيره؟]

انتهينا في الفصل السابق إلى أنه لا يجوز في رأى جمهور العلماء وهو الراجح - تعدد الإمام على التفصيل المشار إليه .. ولكن هل يجوز للإمام أن ينيب عنه غيره في تدبير شئون الأمة وتنفيذ ما يحتاج إلى التنفيذ من أمورها. أو لا يجوز؟.

وليس في الشريعة ما يمنع الإمام أن يفوض جانبا من شئون الأمة إلى شخص ذى علم ورأى وشجاعة وعدل يثق به ويطمئن إليه فيمنحه ما كان له من تدبير وتنفيذ ..

وقد جرى الاصطلاح على تسمية من ينيبه الإمام عنه ويفوض إليه جانبا من الشئون وبعضا من الأمور فيقوم معه بالتدبير والتنفيذ أو بأحدهما - بالوزير - وأطلق في كثير من الروايات والكتب على أبى بكر رضى الله عنه أنه كان وزير النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أطلق على عمر رضى الله عنه أنه كان وزير أبى بكر وعلى وعثمان رضى الله عنهما أنهما كانا وزيرى عمر.

ولأهل الحل والعقد أن يطالبوا الخليفة بهذه