للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستنابة متى رأوا المصلحة قاضية بها ولا فرق بين أن يكون المستناب واحدًا أو أكثر حسبما يقتضيه صالح العمل ..

وقد تحدث الفيلسوف ابن خلدون عن الوزارة في مقدمته في الفصل الرابع والثلاثين في مراتب الملك والسلطان واتعابها (١) فقال:

"واعلم أن الوظائف السلطانية في هذه الملة الإسلامية مندرجة تحت الخلافة لاشتمال منصب الخلافة على الدين والدنيا كما قدمناه ..

فالأحكام الشرعية متعلقة بجميعها .. وموجودة لكل واحدة منها في سائر وجوهها لعموم تعلق الحكم الشرعى بجميع أفعال العباد .. والفقيه ينظر في مرتبة الملك والسلطان وشروط تقليدها استبدادًا على الخلافة وهو معنى السلطان .. أو تعويضها منها وهو معنى الوزارة عندهم وفى نظره في الأحكام والأموال وسائر السياسات مطلقا أو مقيدًا وفى موجبات العزل إن عرضت وغير ذلك من معاني الملك والسلطان ..

وكذا في سائر الوظائف التي دخلت الملك والسلطان من وزارة أو جباية أو ولاية .. لابد للفقيه من النظر في جميع ذلك لما قدمناه من انسحاب حكم الخلافة الشرعية في الملة الإِسلامية على رتبة الملك والسلطان ..

إلا أن كلامنا في وظائف الملك والسلطان ورتبته إنما هو بمقتضي طبيعة العمران .. ووجود البشر بما لا يخصها من أحكام الشرع فإن هذا ليس من غرض كلامنا فلا نحتاج إلى تفصيل أحكامها الشرعية مع أنها مستوفاة في كتب الأحكام السلطانية مثل كتاب القاضي أبى الحسن الماوردى وغيره من أعلام الفقهاء .. فإن أردت استيفائها فعليك بمطالعتها هنالك.

وإنما تكلمنا في الوظائف الخلافية وأفردناها لتميز بينها وبين الوظائف السلطانية لا لتحقيق أحكامها الشرعية ..

وإنما نتكلم في ذلك بما تقتضيه طبيعة العمران في الوجود الإنسانى ..

وبعد أن أشار إلى فروع الخطط السلطانية ووجوه حاجة السلطان فيها قال: "وما زال الأمر في الدول قبل الإسلام هكذا حتى جاء الإسلام وصار الأمر خلافة فذهبت تلك الخطط كلها بذهاب رسم الملك إلا ما هو طبيعى من المعاونة بالرأى والمفاوضة فيه فلم يمكن زواله إذ هو أمر لابد منه .. فكان - صلى الله عليه وسلم - يشاور أصحابه ويفاوضهم في مهماته العامة والخاصة ..

ويخص مع ذلك أبا بكر بخصوصيات أخرى .. حتى كان العرب الذين عرفوا الدول وأحوالها في كسرى وقيصر والنجاشى يسمون أبا بكر وزيره ولم يكن لفظ الوزير يعرف بين المسلمين لذهاب رتبة الملك بسذاجة الإسلام .. وكذا عمر مع أبى بكر .. وعلى وعثمان مع عمر .. ".

وقال القاضي أبو الحسن الماوردى في كتابه الأحكام السلطانية (٢): "والوزارة على ضربين: وزارة تفويض .. ووزارة تنفيذ .. فأما وزارة التفويض فهو أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه .. وإمضائها على اجتهاده .. وليس يمتنع جواز هذه الوزارة".

وقال الله تعالى حكاية عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي


(١) مقدمة ابن خلدون، الفصل الرابع والثلاثين ص ٢١٠ وما بعدها طبع كتاب الشعب.
(٢) الأحكام السلطانية للقاضى أبو الحسن الماوردى ص ٢٢ وما بعدها.