للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غنى من عقاره وعروضه وحيوانه، ولا يباع عليه من ذلك ما إن بيع عليه هلك وضاع، فما كان هكذا لم يبع إلا فيما في نفسه إليه ضرورة إن لم يتداركها بذلك هلك (١).

[ثالثا: حكم الامتناع من نفقة مملوكه]

جاء في المحلى أن الرجل والمرأة ينفق كل منهما على مماليكه من العبيد والإِماء بأن يطعمه شبعه مما يأكل أهل بلده ويكسوه مما يطرد عنه الحر والبر ولا يكون به مثلة بين الناس لكن مما يلبس مثل ذلك المكسو في ذلك البلد مما تجوز فيه الصلاة ويستر العورة، وفرض عليه مع ذلك أن يطعمه مما يأكل ولو لقمة وأن يكسوه مما يلبس ولو في العيد، ويجبر السيد على ذلك، فإن أبى أو أعسر بيع من ماله ما ينفق به على من ذكرنا، ولا يباع ولا تعتق أم الولد من عدم النفقة لكن يجبر كما قلنا إن كان له مال، فإن لم يكن له مال كلفت ما يكلف فقراء المسلمين، برهان ذلك قول الله عز وجل: "كونوا قوامين بالقسط" (٢) وكل من لزمت المسلم نفقته فقد وجب له حق في ماله، ففرض علينا إيصاله إليه وتوفيته إياه، فإذا لم يقدر على ذلك إلا ببيع عرض أو عقار بمع ذلك لقول الله عز وجل "وأحل الله البيع" (٣) فمن لم يبع من مال من عليه حق ما يوصله به العبد أو غيره إلى حقه فقد عصى الله تعالى في قوله عز وجل: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان" (٤)، ومن أبر البر إيفاء ذى الحق حقه، ومن الإِثم والعدوان منع ذى الحق حقه (٥). ويجبر أيضا على نفقة حيوانه كله أو تسريحه للرعى إن كان يعيش من الرعى، فإن أبى بيع عليه كل ذلك. برهان ذلك ما روينا، من طريق البخارى بإسناده عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة. قال كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية: "إن نبى الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". فإضاعة المال حرام وإثم وعدوان بلا خلاف، ومنع المرء حيوانه مما فيه معاشه أو إصلاحه إضاعة لما له، فالواجب منعه من ذلك لقول الله عز وجل "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإِثم والعدوان" والإِحسان إلى الحيوان بر وتقوى فمن لم يعن علي إصلاحه فقد أعان على الإِثم والعدوان وعصى الله تعالى. وقال أبو حنيفة لا يباع عليه حيوانه لكن يؤمر بالإِحسان إليه فقط ولا يجبر على ذلك واحتج له بأنه لا يجبر على حفظ ما له إذا أراد إضاعته كما لا يجبر على سقى نخله، ونقول: بل يجبر على سقى النخل إن كان في ترك سقيه هلاك النخل وكذلك في الزرع، برهان ذلك قول الله عز وجل: "وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد" (٦). فمنع الحيوان ما لا معاش له إلا به من علف أو رعى وترك سقى شجر الثمر والزرع حتى يهلكا هو بنص كلام الله عز وجل فساد في الأرض وإهلاك للحرث والنسل والله تعالى لا يحب هذا العمل (٧).


(١) المرجع السابق جـ ١٠ ص ١٠٠ وما بعدها مسألة رقم ١٩٣٣ نفس الطبعة.
(٢) الآية رقم ١٣٥ من سورة النساء.
(٣) الآية رقم ٢٧٥ من سورة البقرة.
(٤) الآية رقم ٢ من سورة المائدة.
(٥) المحلى لأبى محمد على بن حزم جـ ١٠ ص ٩٧ وما بعدها إلى ص ٩٩ مسألة رقم ١٩٣١ الطبعة السابقة.
(٦) الآية رقم ٢٠٥ من سورة البقرة.
(٧) المحلى لأبى محمد على بن حزم جـ ١٠ ص ٩٩، ص ١٠٠ مسألة رقم ١٩٣٢ الطبعة السابقة.