جاء فى تبيين الحقائق أن الزنا يثبت باقرار الزانى أربع مرات فى أربعه مجالس من مجالس المفر كلما أقر رده القاضى ويدل لذلك حديث ما عز رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخر اقامة الحد عليه الى أن تم اقراره أربع مرات فى أربعة مجالس، فلو ظهر دون الأربع لما أخرها لثبوت الوجوب، وقد اختص الزنا بزيادة العدد فى الشهود وكذا فى الاقرار تعظيما لأمره وتحقيقا للستر، ولا بد من اختلاف المجالس لما رويناه ولأن لاتحاد المجلس أثرا فى جمع المتفرقات فعنده يتحقق شبهة الاتحاد فيه وهو قائم بالمقر فيعتبر مجلسه دون مجلس القاضى، ويرده القاضى كلما أقر فيذهب به حتى يغيب عن نظره فى كل مرة فيما يروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد ماعزا حتى توارى بحيطان المدينة.
فان قيل انما رده صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يتبين له عقله لأنه جاء أشعث أغبر متغير اللون، ولما استبان له عقله رجمه، ألا ترى انه صلى الله عليه وسلم قال له: أبك خبل، أبك جنون، فقال لا. فسأل عنه فقالوا ما نعلم فيه الا خيرا، وبعث الى أهله هل تنكرون من عقله شيئا فقالوا لا، فسأله عن احصانه فأخبره انه محصن فرجمه، قلنا: ليس كذلك لأن حاله يدل على كمال عقله اذ هى حالة التوبة والخوف من الله تعالى ولا يدل على جنونه، وقوله صلّى الله عليه وسلّم أبك خبل ابك جنون تلقين منه لما يدرأ به الحد كما قال صلّى الله عليه وسلم له لعلك قبلتها لعلك باشرتها، والسؤال عنه كان على سبيل الاحتياط والدليل عليه ما قاله أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه له بعد ما أقر ثلاث مرات: انك ان اعترفت الرابعة رجمك فاعترف، وهذا دليل على أن هذا العدد كان معروفا بينهم ظاهرا عندهم، ألا ترى الى قول أبى بريدة كنا نتحدث فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ماعزا لو قعد فى بيته بعد المرة الثالثة ولم يقر لم يرجمه، وصح أن الغامدية رجمها صلى الله عليه وسلم بعد ما أقرت أربع مرات وقال ابن أبى ليلى لا يعتبر اختلاف المجالس وانما يعتبر العدد فقط كما فى الشهادة، والحجة عليه ما بيناه.
وينبغى للامام أن يزجره عن الاقرار ويظهر الكراهية من ذلك ويأمر بابعاده عن مجلسه فى كل مرة لأنه صلّى الله عليه وسلّم فعل ذلك.
وقال عمر رضى الله تعالى عنه اطردوا المعترفين يعنى بالزنا فاذا تم اقراره أربع مرات سأله عن الزنا ما هو، وكيف هو؟ وأين هو؟ وأين زنى: وبمن زنى، ومتى زنى ليزول الاحتمال وقيل لا يسأله عن الزمان لأن تقادم العهد يمنع الشهادة دون الاقرار.