للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقام الرابع

حجية الاجماع

أولا بيان الخلاف فى ذلك.

قال الآمدى: «أتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم خلافا للشيعة والخوارج والنظام من المعتزلة (١).

وقال فى مسلم الثبوت وشرحه: «الإجماع حجة قطعا، ويفيد العلم الجازم عند الجميع من أهل القبلة، ولا يعتد بشرذمة من الحمقى الخوارج والشيعة، لأنهم حادثون بعد الاتفاق، يشككون فى ضروريات الدين مثل السوفسطائية فى الضروريات العقلية» (٢).

وقال الإسنوى فى شرحه على المنهاج:

«ذهب الجمهور إلى أن الإجماع حجة يجب العمل به خلافا للنظام والشيعة والخوارج فإنه وإن نقل عنهم ما يقتضى الموافقة، لكنهم عند التحقيق مخالفون.

أما النظام فإنه لم يفسر الإجماع باتفاق المجتهدين، بل قال كما نقله عنه الآمدى إن الإجماع كل قول يحتج به.

وأما الشيعة، يريد الإمامية منهم، فإنهم يقولون: إن الإجماع حجة، لا لكونه إجماعا بل لاشتماله على قول الإمام المعصوم، وقوله بانفراده عندهم حجة.

وأما الخوارج فقالوا كما نقله القرافى فى الملخص: أن إجماع الصحابة حجة قبل حدوث الفرقة، أى الاختلاف، وهذا غير التفرق الذى ذكره ابن حزم وأراد به التفرق فى الأمصار، وأما بعدها فقالوا الحجة فى إجماع طائفتهم لا غير، لأن العبرة بقول المؤمنين، ولا مؤمن عندهم إلا من كان على مذهبهم» (٣).

وقال عبد الله بن حميد السالمى الإباضى:

بعد أن ذكر الخلاف فيمن هم أهل الإجماع: «أعلم أن ثمرة الخلاف فى هذا المقام إنما هى فى كون الإجماع حجة على كل قول من هذه الأقوال عند القائل به، فمن يعتبر أهل الاجتهاد فقط‍، كان إجماع المجتهدين من الأمة حجة عنده، وافقهم غيرهم على ذلك أم خالفهم، ومن يعتبر المجتهدين الكاملين فى الإيمان دون الفسقة والمبتدعين كان إجماع المؤمنين الكاملين حجة معه وإن خالفهم أهل الأهواء، ومن يعتبر الفقهاء من أهل الفروع دون غيرهم كان إجماعهم حجة عندهم وإن خالفهم غيرهم فى ذلك.

وهكذا من يعتبر الأصوليين ومن اعتبر جميع الأمة لم يكن إجماع بعضها وإن كانوا مجتهدين حجة معه، وأهل هذه الأقوال لا يخطئ بعضهم بعضا، لأنه مقام اجتهاد.

وحجية الإجماع على كل قول من الأقوال المذكورة إنما هى حجة ظنية عند


(١) ص ٢٨٦ ج‍ ١ من الأحكام للأمدى.
(٢) ص ٢١٣ ج‍ ٢ من مسلم الثبوت وشرحه.
(٣) ص ٨٦٠، ٨٦٢ ج‍ ٣ من شرح الإسنوى على المنهاج وقد جاء مثل ذلك فى هداية العقول للزيدية ص ٤٩٧ ج‍ ٢.