للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالله والإمام يحيى، وأحد قولى أحمد بن حنبل، كما حكاه فى الفصول» (١).

وقد ذكرنا فيما سبق أن الظاهرية لا يعتبرون الإجماع فى غير ما هو معلوم من الدين بالضرورة، إلا إجماع الصحابة دون غيرهم من العصور، ومن أسباب قولهم بذلك امتناع العلم بإجماع غيرهم لسعة أقطار المسلمين وكثرة العدد وعدم إمكان ضبط‍ أقوالهم.

فقد نقل الشوكانى عن ابن وهب قال:

ذهب داود، وأصحابنا إلى أن الإجماع إنما هو إجماع الصحابة فقط‍ وهو قول لا يجوز خلافه، لأن الإجماع إنما يكون عن توقيف، والصحابة هم الذين شهدوا التوقيف، فإن قيل فما تقولون فى إجماع من بعدهم؟ قلنا: هذا لا يجوز لأمرين:

أحدهما أن النبى صلى الله عليه وسلم أنبأ عن ذلك فقال: «لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين»، أى وذلك دال علي بقاء الخلاف وعدم انعقاد الإجماع بدليل أن هناك من هم على الحق، متغلبون وظاهرون، وفى مقابلتهم طبعا من هم على غير الحق.

والثانى: أن سعة أقطار الأرض وكثرة العدد لا تمكن من ضبط‍ أقوالهم، ومن ادعى هذا لا يخفى على أحد كذبه» (٢).

وجاء فى الأحكام لابن حزم الظاهرى:

قال أبو محمد: قال أبو سليمان وكثير من أصحابنا: «لا إجماع إلا إجماع الصحابة رضى الله عنهم، واحتج فى ذلك بأنهم شهدوا التوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح أنه لا إجماع إلا عن توقيف، وأيضا فإنهم رضى الله عنهم كانوا جميع المؤمنين، لا مؤمن من الناس سواهم، ومن هذه صفته فإجماعهم هو إجماع المؤمنين وهو الإجماع المقطوع به وأما كل عصر بعدهم فإنما هم بعض المؤمنين لا كلهم وليس إجماع بعض المؤمنين إجماعا.

إنما الإجماع: إجماع جميعهم، وأيضا فإنهم كانوا عددا محصورا يمكن أن يحاط‍ بهم، وتعرف أقوالهم، وليس من بعدهم كذلك».

وقد علق ابن حزم على هذا الذى نقله عن أبى سليمان وكثير من الأصحاب، بما يدل على موافقته عليه إلا فى نقطة واحدة تحفظ‍ فيها، فقال: «وأما قوله أن عدد الصحابة رضى الله عنهم كان محصورا ممكنا جمعه وممكنا ضبط‍ أقوالهم، وليس كذلك من بعدهم، فإنما كان هذا إذ كانوا كلهم بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تفرقهم فى البلاد وأما بعد تفرقهم فالحال فى تعذر حصر أقوالهم كالحال فيمن بعدهم سواء ولا فرق، هذا أمر يعرف بالمشاهدة والضرورة» (٣).

ويتبين من هذا أن ابن حزم يستبعد أيضا معرفة اجماع الصحابة بعد تفرقهم فى الأمصار.


(١) راجع فى هذا وفى الشرح ص ٤٩٦ ج‍ ٢ من هداية العقول فى أصول الزيدية.
(٢) ص ٧٧ من إرشاد الفحول.
(٣) انظر ص ١٤٧ ج‍ ٤ وما بعدها من الأحكام لابن حزم الظاهرى.