للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طريق نقله إما التواتر أو الآحاد، والعادة تحيل النقل تواترا لبعد أن يشاهد أهل التواتر كل واحد من المجتهدين شرقا وغربا ويسمعوا ذلك منهم، ثم ينقلوه إلى عدد متواتر ممن بعدهم، ثم كذلك فى كل طبقة إلى أن يتصل به، وأما الآحاد فغير معمول به فى نقل الإجماع.

وأجيب بأن ذلك تشكيك فى ضرورى للقطع لإجماع أهل كل عصر على تقديم القاطع على المظنون وما ذلك إلا بثبوته عنهم وبنقله إلينا (١).

وقول الإمام أحمد: من ادعى الإجماع فهو كاذب، محمول على تكذيب المدعى بذلك فى انفراده بالاطلاع، فإن الإجماع أمر عظيم يبعد كل البعد أن يخفى على الكثير ويطلع عليه الواحد، أو محمول على حدوثه الآن، فإن كثرة العلماء والتفرق فى البلاد وكونهم غير معروفين، مريب فى نقل اتفاقهم، فإن أحمد رحمه الله قد احتج بالإجماع فى مواضع كثيرة، فلو لم ينقل إليه لما ساغ له الاحتجاج به (٢).

هذا وممن قال: بأن الوقوف على الإجماع متعذر إلا فى إجماع الصحابة:

الإمام الرازى، والقاضى البيضاوى، وجمال الدين الإسنوى، من علماء الشافعية

والحسين بن القاسم، صاحب غاية السول وهداية العقول فى أصول الزيدية والمنصور بالله، والإمام يحيى من الزيدية أيضا.

قال الإسنوى فى شرحه على المنهاج للبيضاوى: «إن الوقوف على الإجماع لا يتعذر فى أيام الصحابة، رضوان الله عليهم، فإنهم كانوا قليلين محصورين ومجتمعين فى الحجاز، ومن خرج منهم بعد فتح البلاد كان معروفا فى موضعه، وهذا قد ذكره الإمام الرازى، فقال: «والإنصاف أنه لا طريق لنا إلى معرفته إلا فى زمان الصحابة وعلل بما قلناه، نعم لو فرضنا حصول الإجماع من غير الصحابة، أى مع ما تبين من تعذر ذلك.

فالأصح عند الإمام والآمدى وغيرهما أنه يكون حجة، وقال أهل الظاهر:

لا يحتج إلا بإجماع الصحابة، وهو رواية لأحمد (٣).

وسيأتى ذلك فى الكلام على الحجية.

وقال الحسين بن القاسم الزيدى: «إن الاحتمالات التى ذكروها، أى ذكرها القائلون بنفى إمكان العلم به وإمكان نقله إلى من يحتج به بعد المجمعين، هذه الاحتمالات منتفية فى أيام الصحابة، لأنهم كانوا قليلين محصورين مجتمعين فى الحجاز ومن خرج منهم بعد فتح البلاد كان معروفا فى موضعه».

وعلق عليه الحسن بن يحيى فى الحاشية بقوله: «محصول هذا أنه ممكن من الصحابة لا من غيرهم، وهذا قول المنصور


(١) راجع ص ٣٠ ج‍ ٢ من شرح القاضى على مختصر ابن الحاجب وص ٦٩ من إرشاد الفحول وغيرهما.
(٢) ص ٢١٢ ج‍ ٢ من شرح مسلم الثبوت.
(٣) ص ٨٥٨ ج‍ ٣ من شرح الأسنوى على المنهاج.