للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتحققها جميعا ولما كان الامر كذلك علم أن المراد بالاستثناء اخراج المستثنى عن دخوله فى حكم المستثنى منه وأنه غير متعرض لنفيه ولا اثباته ونوقش هذا الدليل بأن الاستثناء هنا استثناء من غير الجنس وهو باطل عند المخالفين كما تقدم، والمقصود من النص فيما ذكر بيان اشتراط‍ الطهارة فى الصلاة والولى فى النكاح. والشرط‍ وان لزم من فواته فوات المشروط‍، الا أنه لا يلزم من وجوده وجود المشروط‍، لجواز انتفاء المقتضى أو فوات شرط‍ آخر أو وجود مانع .. ونوقش غيره من باقى الادلة.

ونوقش الدليل السابق بأن هذا تسليم بدلالة الاستثناء على حكم مخالف وكونه بطريق الاشارة لا بطريق القصد تنفيه الادلة السابقة.

[الاستثناء بعد جمل متعاطفة]

اذا ورد الاستثناء بعد جمل معطوف بعضها على بعض بالواو ونحوها من الفاء وثم كما ورد فى مسلم الثبوت نقلا عن التحرير فلا خلاف بين العلماء فى جواز رجوعه الى جميع الجمل المتعاطفة، والى الاخيرة منها فقط‍، والى ما عدا الاخيرة والى ما عدا الاولى حسبما يدل عليه الدليل وليعنيه معنى الكلام.

كما فى قوله تعالى {(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .. )} اتفق العلماء على أن الاستثناء فى قوله (الا الذين تابوا لا يرجع الى الجملة الاولى - فاجلدوهم ثمانين جلدة - اذ التوبة لا تمنع من الجلد واقامة الحد، واتفقوا على رجوعه الى الجملة الاخيرة - وأولئك هم الفاسقون - لانه بالتوبة يزول العتق وينتهى حكمه - واختلفوا فى رجوعه الى الجملة الثانية - ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا - وترتب على ذلك اختلافهم فى قبول شهادة المحدود فى قذف اذا تاب - على ما سيأتى بيانه.

وكما فى قوله تعالى {(وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً ١ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا)} اتفقوا على رجوع الاستثناء فى قوله - الا أن يصدقوا - الى الجملة الاخيرة فقط‍ وهى - ودية مسلمة الى أهله - لان الدية حق الاولياء فتسقط‍ باسقاطهم بالتصدق أما تحرير الرقبة فليس حقهم بل هو حق الله تعالى فلا يعمل فيه التصدق ولا يسقط‍ باسقاطهم وانما اختلف العلماء فى الظاهر عند الاطلاق وعدم وجود دليل أو قرينة تعين رجوعه الى بعض الجمل أو كلها - فذهب الشافعية الى أن الظاهر حينئذ رجوعه الى جميع الجمل وذهب الحنفية الى أن الظاهر رجوعه الى الجملة الاخيرة فقط‍، وذهب القاضى أبو بكر الباقلانى والامام حجة الاسلام الغزالى وبعض الشافعية الى الوقف لعدم العلم بأنه حقيقة فى الاخيرة فقط‍ أو فى الكل، وذهب المرتضى من الشيعة الى القول


(١) الاية رقم ٩٢ من سورة النساء.