للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزوج هو الخارج فلا عدةَ عليها؛ لأنها حربية؛ وإن كانت المرأة هي التي خرجت فكذلك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى عليها العدة لحق الشرع لا لحق الزوج فلا تكونُ نفقةُ العدة عليه (١).

وإن لم يُسبيا؛ ولكن أسلم أحد الحربيين وخرج إلى دار الإسلام؛ فقد وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق؛ لتباين الدارين فإن طلقها بعد هذا لم يقع طلاق عليها، أما إذا كان الزوج هو الذي أسلم فلأنه لا عدة على الحربية؛ وإن كانت المرأة هي التي أسلمت فعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لا عدة على المهاجرة أيضًا؛ وعندهما وإن كان يلَزمها العدةُ فهذه العدة لا توجب ملك اليد للحربى عليها فكان بمنزلة العدة من نكاح فاسد أو وطء بشبهة فلا يقع الطلاق عليها باعتبارها، وإن أسلم الزوج بعدها وخرج لم يقع طلاقه عليها أيضًا؛ وقيل: هذا على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الأول، وهو قول محمد رحمه الله تعالى: فأما قول أبى يوسف رحمه الله تعالى الآخر: يقع طلاقه عليها وهو نظير ما لو اشترى امرأته بعد ما دخل بها ثم أعتقها وطلقها في العدة لا يقع طلاقُه في قول أبى يوسف الأول. وهو قولُ محمد رحمه الله تعالى.

وإذا أسلم أحد الزوجين في دار الإسلام وفرق بينها بالإباء من الآخر ثم طلقها الزوج وهى في العدة؛ فإنه يقع الطلاق ثم إن كان دخل بها فلها أن تؤاخذه بمهرها إذا حرج إلى دار الإسلام؛ لأن المهر قد تقرر عليه بالدخول فيبقى بعد إسلامها، وإن لم يدخل بها وكانت هي التي خرجت أولًا مسلمة فلها على الزوج نصفُ المهر؛ لأنه إنما يُحَالُ بالفرقة على جانب الزوج حين أصر على شركه في دار الحرب بعد إسلامها، وإن كان الزوج هو الذي خرج أولًا مسلمًا فلا مهر لها عليه؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول؛ وإذا تزوج المسلم كتابية في دار الحرب فتمجست انتقض النكاحُ بينهما؛ لأن تمجسها إذا كانت تحت مسلم بمنزلة ردتها، وطلاقُه يقع عليها ما دامت في العدة كما لو ارتدت المرأةُ في دار الإسلام، وهذا لأنه لم تتباين بهما الدارُ وهو المنافى للعصمة. والحرمةُ بسبب الردة على شرف الزوال بالإسلام؛ فلا تمنْعُ ثبوتَ الحرمة بالتطليقات الثلاث. فإن خرج الزوجُ إلى دار الإسلام وبقيت في دار الحرب لم يقع طلاقه عليها لتباين الدارين حقيقةً وحكمًا؛ وإن خرج الزوجان إلى دارنا مستأمنين ثم أسلم أحدُهما؛ فهى امرأته حتى تحيض ثلاث حيض؛ فإذا حاضت ثلاث حيض وقعت الفرقة بغير طلاقٍ بينهما؛ وانقطعت العصمة فلا يقع عليها طلاقه؛ لأن المُصِرَّ منهما على شِرْكه من أهل دار الخرب؛ ألا ترى أنه يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب فهو بمنزلة ما لو كان في دار الحرب حقيقة في المنع من وقوع طلاقهِ عليها. وكذلك إذا صار أحدُهما ذميا وأبى الآخر فالحكم فيما وصفنا عن الفرقة في دار الإسلام وفى دار الحرب سواء؛ لأن الذمى صار من أهل دارنا والآخر من أهل دار الحرب (٢).

[مذهب المالكية]

جاء في الخرشى أن الزوجين الكافرين إذا سُبيا مجتمعين أو أحدهما قبل الآخر، فإن النكاح


(١) المبسوط: ٥/ ٢٠١.
(٢) المبسوط: ٦/ ٨٦.