للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لانه لما أوصى بثلث ماله فقد أتى بوصية صحيحة، لأن صحة الوصية لا تقف على بيان مقدار الموصى به فوقعت الوصية صحيحة بدونه ثم بين المقدار وغلط‍ فيه والغلط‍ فى قدر الموصى به لا يقدح فى أصل الوصية فبقيت الوصية متعلقة بثلث جميع المال ولأنه يحتمل أن يكون هذا رجوعا عن الزيادة على القدر المذكور ويحتمل أن يكون غلطا فوقع الشك فى بطلان الوصية فلا يبطل مع الشك على الأصل المعهود أن الثابت بيقين لا يزول بالشك.

ولو قال: أوصيت بغنمى كلها وهى مائة شاة فاذا هى أكثر من مائة وهى تخرج من الثلث فالوصية جائزة فى جميعها لما ذكرنا من أنه أوصى بجميع غنمه ثم غلط‍ فى العدد.

ولو قال: أوصيت له بغنمى وهى هذه وله غنم غيرها تخرج من الثلث فان هذا فى القياس مثل ذلك ولكنى أدع القياس فى هذا وأجعل له الغنم التى تسمى من الثلث لأنه جمع بين التسمية والاشارة وكل واحد منهما للتعيين غير أن هذه الاشارة أقوى لأنها تحصر العين وتقطع الشركة فتعلقت الوصية - من أجل ذلك - بالمشار اليه فلا يستحق الموصى له غيره.

بخلاف ما اذا قال: أوصيت له بثلث مالى وهو هذا وله مال آخر غيره، فان الموصى له فى هذه الحالة يستحق ثلث جميع المال لأن الاشارة هنا لم تصح لأنه قال: ثلث مالى والثلث اسم للشائع والمعين غير السائع، فلغت الاشارة فتعلقت الوصية لذلك بالمسمى وهو ثلث المال.

أما فى الحالة الأولى فان الوصية صحت بالاشارة وهى اقوى من التسمية فتعلقت الوصية بالمشار اليه (١).

[مذهب المالكية]

جاء فى مواهب الجليل: أن الايجاب فى الوصية يصح بالاشارة المفهمه روى عن أشهب فى الموازية أنهم لو قرؤا الوصية وقالوا نشهد بانها وصيتك فقال برأسه نعم ولم يتكلم جاز ذلك.

قال ابن عبد السّلام وتعقب على ابن الحاجب تفسير الصيغة بالاشارة فان الاشارة من الأفعال، والصيغة من العوارض والأقوال وهو صحيح لو كان المراد بها ما يريده النحويون، أما اذا كان مراده بالصيغة ما يدل على مراد الشخص وجعل ذلك حقيقة عرفية فى هذا الفن ولا يسمى على رأى المالكية فى كثير من أبواب الفقه (٢).

وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير: أن الموصى به أن كان معينا وباعه الموصى بطلت وصيته فلو قال: أوصيت له


(١) المرجع السابق ج ٧ ص ٣٨١ الطبعة المتقدمة.
(٢) مواهب الجليل لشرح خليل على هامش التاج والاكليل لمختصر خليل ج ٦ ص ٣٦٦.
الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة سنة ١٣٢٩ هـ‍