للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسقط حكم كل بينة تأتى بعد هذا التحليف ليس لك عليه إلا هذا فقط، فأى الأمرين اختار قضى له به، ولم يلتفت له إلى بيّنة في تلك الدعوى تأتى بعدها إلا أن يكون تواترًا يوجب صحة العلم ويقينه أنه حلف كاذبًا فيقضى عليه بالحق أو يقر بعد أن يكون حلف فيلزمه ما أقر به (١)، ودليل ذلك ما روِّينا - بالسند - إلى علقمة بن وائل بن حجر قال: "كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجلان يختصمان في أرض، فذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للطالب: بينتك، قال: ليست لى بيّنة، قال: يمينه، قال: إذًا يذهب بها، يعنى بما لى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليست لك إلا ذلك" (٢)، فقضى عليه الصلاة والسلام على أنه ليس للطالب إلا بينة أو يمين المطلوب، فصح يقينًا أنه ليست إلا أحدهما لا كلاهما، وبطل أن يكون له كلا الأمرين بيقين.

ثانيًا: نكول المدعى عليه عن اليمين:

إن لم يكن للطالب بينه، وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها، أحب أم كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله في شئ من الأشياء أصلا، ولا ترد اليمين على الطالب البتة، ولا ترد يمين أصلا إلا في ثلاثة مواضع فقط، وهى: القسامة فيمن وجد مقتولًا، فإنه إن لم تكن لأوليائه بيّنة حلف خمسون منهم واستحقوا القصاص أو الدية، فإن أبوا حلف خمسون من المدعى عليهم وبرئوا، فإن نكلوا أجبروا على اليمين أبدًا، وهذا مكان يحلف فيه الطالبون، فإن نكلوا رد على المطلوبين. والموضع الثاني: الوصية في السفر، لا يشهد عليها إلا كفار، والشاهدان الكافران يحلفان مع شهادتهما، فإن نكلا لم يقض بشهادتهما، فإن قامت بعد ذلك بينة من المسلمين حلف اثنان منهم مع شهادتهما وحكم بها ونسخ ما شهد به الأولان، فإن نكلا بطلت شهادتهما وبقى الحكم الأول كما حكم به، فهذا مكان يحلف فيه الشهود لا الطالب ولا المطلوب. والموضع الثالث: من قام له بدعواه شاهد واحد عدل أو امرأتان عدلان فيحلف ويقضى له، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ، فإن نكل أجبر على اليمين أبدًا، فهذا مكان يحلف فيه الطالب، فإن نكل ردّ على المطلوب (٣).

ثالثًا: ظهور البينة بعد اليمين:

يسقط حكمُ كلِّ بيِّنةٍ تأتى بعد التحليف، ولا يلتفت إلى بينة تأتى بعد التحليف إلا أن يكون تواترًا يوجب صحة العلم ويقينه أنه حلف كاذبًا فيقضى عليه بالحق، أو يقر بعد أن يكون حلف فيلزمه ما أقر به (٤).

رابعًا: الدعاوى التي يستحلف فيها المنكر والدعاوى التي لا يستحلف فيها:

الأصل المطرد في كل دعوى في الإسلام من دم أو مال أو غير ذلك من الحقوق - ولا تحاشى شيئًا - هو أن البيّنة على المدعى واليمين على من ادعى عليه كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: "لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه"، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بينتك أو يمينه" (٥)، وهذان


(١) المحلى: ٩/ ٣٧١ مسألة رقم ١٧٨٣.
(٢) سنن البيهقى ١٠/ ٢٦١ كتاب الدعوى والبينات، باب الرجل يجئ بشاهدين على رجل بحق فلا يمين عليه مع شاهديه.
(٣) المحلى: ٩/ ٣٧٣ مسألة رقم ١٧٨٢.
(٤) المحلّى: ٩/ ٣٧١ مسألة رقم ١٧٨٢.
(٥) سبق تخريجه.